تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا: الأسباب والمآلات

تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا: الأسباب والمآلات

2024-06-28
2704 مشاهدة
Download PDF

 

ملخص 

فيما بدا استقلالاً، غادرت فرنسا مستعمراتها الإفريقية عسكرياً وإدارياً أواسط القرن العشرين، لكنها على الحقيقة بسطت نفوذها في هذه المستعمرات، عَبْر أدوات غير تقليدية، أمَّنَت لها الهيمنة عليها، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً، وهو ما وضع فرنسا في مكانة متقدمة في النظام الدولي، غير أن هذا النفوذ الممتدّ عَبْر جُلّ أقاليم القارة، بدأ مؤخراً في التراجع والانحسار لصالح قُوًى دولية وإقليمية مناوئة ومنافسة. 

ولقد تعددت وتنوعت أسباب تراجُع هذا النفوذ، بين أسباب تتعلق بسياسات فرنسا ذاتها، وأسباب تتعلق بسياسات القُوى المناوئة والمنافسة لها، وأسباب أخرى تتعلق بظهور أجيال نخبوية إفريقية جديدة أكثر وَعْياً، وأخرى تتعلق بسُوء أداء الحكومات الخاضعة للهيمنة الفرنسية، وغير ذلك من الأسباب التي دفعت باتجاه تنامي رغبة النُّخَب الإفريقية الجديدة، في تنويع الشراكات وخلع رِبْقة التَّبَعِيّة والهيمنة الأحادية. 

وتسعى هذه الورقة إلى رصد وتحليل النفوذ الفرنسي في إفريقيا، وتطوُّره بين الصعود والانحسار، للوقوف على أهم مظاهر انحساره وعوامله وأسبابه مؤخراً، وصولاً إلى استشراف مآلاته. 

مقدِّمة 

استعمرت فرنسا عدداً كبيراً من الدول الإفريقية، فقد امتدت مستعمراتها عَبْر كل أقاليم القارة، باستثناء إقليم الجنوب الإفريقي، وعندما زادت نشاطات حركات التحرُّر الوطني من أعبائها، وأثقلها إدارة مستعمراتها، غادرت هذه المستعمرات عسكرياً وإدارياً، لكنها لا تزال إلى وقتنا هذا، تمارس ما يعرف بـ "الاستعمار الجديد" غير التقليدي، عَبْر وكلاء محليين، وأدوات غير عسكرية، مع بقاء بعض الأدوات العسكرية بمسميات مختلفة، وبغطاء تعاوُني أو إنساني. 

وتحقق فرنسا من وراء استمرار استعمارها "الجديد" لدول نفوذها في إفريقيا، مصالح جمّة لا تُحصى على كل الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية، ولا نبالغ إذا اعتبرناها في ظروف معينة مصالح مصيرية، فهي على أقل تقدير، تجمع بين المصالح: الحيوية، والكبرى، والعادية في آنٍ واحد، فمن المؤكد أن فرنسا لن تكون بدونها بذات القوة، وفي ذات المكانة، في النظام الدولي الجديد الجاري إعادة تشكيله.   

ويرتكز النفوذ الفرنسي في إفريقيا على عدة ركائز، أبرزها: تجنيد النُّخَب السياسية الحاكمة، والتواجد والتدخُّل العسكري، والهيمنة الاقتصادية، والتغلغل الاجتماعي والثقافي، وقد أمَّنت هذه الركائز الاستمرارية لذلك النفوذ، على مدار ستة عقود خلت، حيث تمكنت فرنسا خلال هذه الحِقْبة، وعَبْر تلك الركائز، من الحفاظ على إمبراطوريتها في إفريقيا، والتي لا شك في أنها كانت عاملاً مهماً فيما حققته من نهضة ومكانة في المجتمع الدولي.  

غير أن اللافت في العَقْد الأخير، تراجُع النفوذ الفرنسي في القارة، بما في ذلك نفوذها في دول، لم يدر بخَلَد صُنّاع القرار الفرنسيين، خروجها من العباءة الفرنسية، مثل: إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، أضف إلى ذلك ظهور مؤشرات قوية، على تنامي توجُّهات استقلالية في دول أخرى، مثل: تشاد وغينيا كوناكري وغينيا بيساو والجابون، والحبل على الجرّار لعدة أسباب أبرزها: إخفاق -أو عدم رغبة- فرنسا في إيجاد حلول للمشكلات المتفاقمة في المجتمعات الإفريقية، كالإرهاب، والاختلالات الاقتصادية، وانتشار الفقر، وتدني كافة الخدمات الحكومية، ومن جهة أخرى دخول منافسين جُدد للساحة الإفريقية، ومن ثَمّ اتساع هامش المناورة، واستشراء عدوى التحرُّر وتنويع الشراكات وفقاً لنظرية الدومينو. 

ومن هنا تشتدّ الحاجة إلى دراسة هذه الحالة الفرنسية، للتعرف على مناطق النفوذ الفرنسي وأدواته في إفريقيا، والوقوف على طبيعة المصالح الفرنسية في هذه المناطق، ورصد تراجُع النفوذ الفرنسي في القارة، وتحليل أسباب هذا التراجع وتفسيرها، وتحديد أبرز المنافسين المناوئين للنفوذ الفرنسي، وصولاً إلى استشراف مآلات ذلك النفوذ، ولسوف تنتظم تساؤُلات هذه الدراسة عَبْر المحاور التالية: 

أولاً: خارطة النفوذ الفرنسي وأدواته في إفريقيا 

امتد النفوذ الفرنسي في الفضاء الإفريقي عَبْر جُلّ أقاليم القارة، وفقاً للتقسيم الإقليمي المعتمَد من الاتحاد الإفريقي؛ فلم يخلُ إقليم من الأقاليم الخمسة من الاستعمار الفرنسي سوى إقليم إفريقيا الجنوبية، فيما ضمت الأقاليم الأربعة الأخرى اثنتين وعشرين مستعمرة فرنسية، ففي شمال إفريقيا استعمرت فرنسا تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، فيما شنت حملة استعمارية على مصر استمرت لمدة ثلاث سنوات، وفي شرق إفريقيا استعمرت جيبوتي ومدغشقر وجزر القمر وسيشل. 

وفي إقليم إفريقيا الاستوائية استعمرت فرنسا، الكاميرون وإفريقيا الوسطى وتشاد والجابون والكونغو كينشاسا، أما إقليم غرب إفريقيا فقد حظي بأكبر عدد من المستعمرات الفرنسية، حيث استعمرت فرنسا منه بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا كوناكري وتوجو ومالي والنيجر والسنغال. 

وقد تحولت هذه الدول إلى مناطق ارتكاز للنفوذ الفرنسي في إفريقيا، باستثناء مصر وجيبوتي، فالأولى لم تصبح مستعمرة فرنسية بالمعنى الفني الدقيق، رغم احتلال فرنسا لها لثلاث سنوات، والثانية تحولت حالياً إلى دولة مستضيفة، لعدد كبير من القواعد العسكرية للدول الكبرى، ومن بينها القاعدة العسكرية الفرنسية، ومن ثَم لم يَعُدِ النفوذ في جيبوتي مقصوراً على فرنسا وَحْدَها. [1] 

وعلى مدار العقود الستة المنصرمة، استخدمت فرنسا أربع وسائل رئيسية، للسيطرة والهيمنة على مستعمراتها، وتأتي السيطرة السياسية في مقدمة هذه الوسائل والمدخل لغيرها، وتتأتى السيطرة السياسية عَبْر تجنيد النخب السياسية، الحاكمة والطامحة إلى الحكم، لضمان ولائها واستجابتها طوعاً أو جبراً للمطالب الفرنسية، وذلك عَبْر أدوات عديدة منها: تأمين وصولهم وبقائهم في السلطة، وتقديم الخدمات الأمنية لحمايتهم، وتأمين الخدمات الاستخباراتية التي يرغبون فيها وغير ذلك من الخدمات. [2] 

وتفريعاً على هذه السيطرة السياسية، تواجدت فرنسا بأذرعها العسكرية في مستعمراتها الإفريقية، تحت مسميات ظاهرها التعاوُن، وباطنها التخطيط لإبقاء هذه الدول تحت الهيمنة والسيطرة الفرنسية، ومن هذه المهامّ الظاهرة المعلنة: تقديم الدعم الفني والتدريبي واللوجستي والاستخباراتي للجيوش الإفريقية، للمساعدة في مهام حفظ أمن النظام الحاكم والأمن الإنساني، وضبط الحدود ومكافحة الجريمة المنظمة، وما اصطلحوا على تسميته بالإرهاب. [3] 

ومن هنا تصبح السيطرة الاقتصادية وسيلة وغاية في آنٍ واحد، فبواسطتها وعَبْر أدواتها المختلفة يتم إحكامها السيطرة على اقتصادات المستعمرات الإفريقية، وصولاً إلى الاستيلاء على ثروات هذه البلاد ومواردها، ومن أهم هذه الأدوات إبرام عقود واتفاقيات اقتصادية مجحِفة طويلة الأجل، بمساعدة من العملاء المجنَّدين في مفاصل الحكم والإدارة، وبالتعاون مع طبقة ضيقة، من أصحاب رؤوس الأموال المحليين، وباستخدام أدوات اقتصادية مؤثرة، مثل ربط العملة بالفرنك الفرنسي، ومن ثَمّ التحكم في سعر الصرف. [4] 

وأخيراً تسهم السيطرة والهيمنة الثقافية الفرنسية، بدرجة كبيرة في التوطئة لشتى مداخل السيطرة والهيمنة، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وتعزيز نتائجها، ولقد اعتمد الاستعمار الفرنسي -ولا يزال-  على الاستيعاب الثقافي للمجتمعات الإفريقية المستعمَرة، فقد عمد إلى تعزيز اللغة وأنماط الحياة الفرنسية، كبديل عن اللغات وأنماط الحياة المحلية التقليدية للسكان، حتى أصبحت اللغة الفرنسية اللغة الرسمية الأولى، ولغة التعليم في كل دول الاستعمار الفرنسي، ويُعَدّ تدشين المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية "الفرانكفونية"، من أهم  أدوات الهيمنة والسيطرة الثقافية الفرنسية. [5] 

ثانياً: طبيعة المصالح الفرنسية في مناطق نفوذها الإفريقية 

تُحقق فرنسا جراء بسط سيطرتها ونفوذها في مستعمراتها الإفريقية، الأنواع الأربعة للمصالح الوطنية المشروعة، فثَمّة مصالح تتعلق بالدفاع والأمن، وثَمّة مصالح اقتصادية، وثَمّة مصالح تتعلق بالنظام العالمي، وثَمّة مصالح أيديولوجية، وتتراوح في كثافة هذه المصالح ما بين المصيرية، والحيوية والكبرى والعادية. 

فعلى صعيد الدفاع والأمن يُعَدّ استحواذ فرنسا على الموادّ الخام، وبخاصة المعادن الداخلة في التصنيع العسكري الفرنسي المتطوِّر، من أهم روافد هذه الصناعة، وتلبي هذه الصناعة حاجات فرنسا وتطلعاتها، في مجال حماية إقليمها وشعبها ونظامها السياسي، من أي اعتداء أو تهديد بالاعتداء، من قِبل الدول والفواعل الدولية الأخرى، ونخصّ بالذكر هنا ما يوفره مثل هذا الاستحواذ من اليورانيوم الإفريقي، الذي كانت تحصل على الجانب الأكبر منه من النيجر، قبل أن تؤول علاقات البلدين إلى القطيعة، وبالطبع تمنح الترسانة العسكرية النووية الفرنسية، الردع والقدرة على الدفاع حال الاعتداء، وتُعَدّ المصالح الدفاعية الفرنسية، التي تؤمنها لها علاقاتها الإفريقية، بمثابة المصالح المصيرية، وبخاصة في ظل الحروب والصراعات، التي يموج بها النظام الدولي في الوقت الراهن. [6] 

وعلى الصعيد الاقتصادي يُعَدّ الوصول السهل والأقل كلفة، رافداً مهماً للنهضة الاقتصادية الفرنسية، بما يحققه لمواطنيها من تعزيز الرفاهية الاقتصادية والأمن الغذائي، ذلك بأن المستعمرات الفرنسية الإفريقية، كانت -ولا تزال- المصدر الرئيسي للسلع الغذائية، والمواد الخام اللازمة للصناعات الفرنسية، ومن ناحية أخرى ترتبط فرنسا باتفاقيات تعاوُن نقدي، مع ثلاث مناطق نقدية إفريقية، وهي الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا، والجمعية الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا، واتحاد جزر القمر، ومن خلال التحكُّم في الفرنك الخاص بالمناطق النقدية الإفريقية الثلاث، المرتبط بالفرنك الفرنسي ومن بعده اليورو، تمكنت فرنسا من الهيمنة الكاملة على اقتصادات دول هذه المناطق النقدية، والتي كانت جميعها مستعمَرات فرنسية باستثناء غينيا بيساو، وهو ما أسهم بدرجة كبيرة في تحقيق مصالح فرنسية اقتصادية، تُصنَّف كمصالح حيوية على أقل تقدير. [7] 

وعلى صعيد النظام الدولي، تَعُدّ فرنسا نفسها من بين القُوى الدولية الكبرى، وتُحمِّل نفسها قدراً كبيراً من المسؤولية، عن تعزيز نظام سياسي اقتصادي دولي، تشعر فيه هي كدولة بالأمن، ويتمكن مواطنوها وتجارتها من العمل سلمياً عَبْر الحدود، وفي ظلّ الصراعات والحروب المنتشرة على خارطة العالم، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والحرب على غزة، والحرب الأهلية السودانية المدعومة خارجياً، والحرب في شرق الكونغو، والحرب على الإرهاب المصطنع، والحرب الاقتصادية الصينية الأمريكية، والتي تهدد جميعها السلم والأمن الدولييْنِ، وتنذر باندلاع حرب عالمية جديدة في أية لحظة، تجد فرنسا نفسها مضطرة إلى الحفاظ على ما تبقى لها، من نفوذ في إفريقيا باعتبارها كانت -ولا تزال- محور تفاعُلات النظام الدولي القديم، وكذلك الجديد الآخِذ في التشكُّل، وتسهم إفريقيا بجانب لا بأس به من قدرة فرنسا، على  تعزيز نظام سياسي اقتصادي دولي سِلْميّ وآمِن، وهو ما يدخل في مصافّ المصالح الفرنسية الكبرى. 

أما على الصعيد الأيديولوجي فتعتقد فرنسا أن منظومة القِيَم التي يعتنقها مواطنوها، صالحة للتطبيق عالمياً، ومن ثَمّ فهي جديرة بالحماية والتعزيز، وتُعَدّ إفريقيا بيئة خصبة لحماية هذه المنظومة وتعزيزها، وبخاصة أن اللغة الفرنسية تُعَدّ اللغة الرسمية الأولى، ولغة التعليم في كل المستعمَرات الفرنسية في إفريقيا، وتُعَدّ منظمة الفرانكفونية من أقوى الأدوات التي تعزز حماية اللغة وتعزيزها، ومن ثَمّ القيم الفرنسية، ويُعَدّ نشر اللغة والقِيَم والتقاليد الفرنسية في إفريقيا، ضِمن المصالح الكبرى أو العادية على أقل تقدير. [8] 

ثالثاً: مظاهر تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا 

استمرت الهيمنة الفرنسية الكاملة، على مستعمَراتها الإفريقية طيلة الستة عقود المنصرمة، ولا تزال الكثير من هذه المستعمَرات خاضعة للهيمنة الفرنسية بدرجات متفاوتة، غير أن بعض هذه المستعمَرات شرعت في الخروج من عباءة المستعمِر الفرنسي، إما على سبيل القطيعة مع الماضي الاستعماري المرير، مثل: إفريقيا الوسطي ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، أو على سبيل المناورة، حصولاً على أكبر قدر من الدعم أو المنافع أو التنازُلات الفرنسية، مثل: غينيا كوناكري وتشاد والجابون. 

فأما عن دول المناورة فقد نجحت فرنسا، في تمكين نُخَب عسكرية موالية لها فيها، عن طريق تدبير انقلابات عسكرية، تبدو فرنسا منبتّة الصلة عنها، فيما تُنبئ جُلّ المؤشرات بأن تدبيرها تم بتخطيط ودعم خفييْنِ فرنسييْنِ،  فها هي تطوُّرات المشهد في تشاد تؤكد يوماً بعد يوم، أنه في عام 2021 وفي أعقاب مقتل الرئيس إدريس ديبي، الحليف الفرنسي القابع في السلطة منذ عام 1990 لأكثر من (30) عاماً، دبرت فرنسا فوراً بالتنسيق مع عسكريِّي تشاد، حلول ابنه الجنرال محمد إدريس ديبي، لفترة انتقالية انتهت مؤخراً بتنصيبه رئيساً منتخَباً، عَبْر عملية انتخابية مثيرة للجدل. [9] 

وفي نَسَق مشابِه دبرت فرنسا في عام 2021 أيضاً، انقلاباً عسكرياً في غينيا كوناكري (أكبر منتج للبوكسيت في العالم) قاده "ممادي دومبويا"، الذي اعتقل الرئيس "ألفا كوندي"، بسبب جنوحه نحو تنويع شراكات بلاده، وبخاصة مع روسيا والصين، واعتلى "دومبويا" سُدّة الحكم لفترة انتقالية، ومن حينها لا ينفك يعلن عن رغبته في التخلص من الهيمنة الفرنسية، لكن مؤشرات عدة تنبئ عن موالاته لفرنسا، ولا تزال فترته الانتقالية ممتدة حتى الآن (أيار/ مايو 2024). [10] 

وفي الجابون البلد الصغير الذي يمتلك واحدة من أكبر احتياطيات النفط الإفريقي، ويحكمه عائلة "بونجو" الموالية لفرنسا تماماً، منذ عام 1964 حتى 2023 أي قُرابة الـ (60 عاما)، أفادت معلومات استخباراتية فرنسية، بأن قدراً من عدم الرضا يتراكم لدى بعض العسكريين غير الموالين لفرنسا، بما ينذر باستيلائهم على السلطة، وبخاصة في ظل الحالة المرضية للرئيس علي بونجو، والتي أدت إلى ارتخاء قبضته الأمنية والسياسية، فدبرت فرنسا انقلاباً عسكرياً استباقياً، قاده مجموعة من كبار قادة الجيش الجابوني، ونصبوا الجنرال "بريس أوليجي نجويما" رئيساً لفترة انتقالية، لا تزال ممتدة حتى الآن (أيار/ مايو 2024). [11] 

وهكذا تمكنت فرنسا من تدارك الأوضاع غير المواتية في بعض مستعمَراتها، وتفادت المآلات غير المرغوبة في هذه المستعمرات، واستنقذت هيمنتها ونفوذها فيها من التراجع والانحسار. 

وفي بعض المستعمَرات الفرنسية الإفريقية، تمكنت نخبها من استباق التدابير الاحترازية الفرنسية ومباغتتها، فانفرط عقد الهيمنة والنفوذ الفرنسي، ووصلت علاقات فرنسا بهذه الدول إلى درجة القطيعة، ففي مالي وعلى إثر تزايُد الهجمات الإرهابية، وتصاعُد الأنشطة الانفصالية في أزواد شمال مالي، تدخلت فرنسا عسكرياً بعملية "سيرفال"، وأعقبتها بعملية "برخان" التي عمت منطقة الساحل، وامتدت هذه المهام مع وعود بدحر الإرهاب وتحقيق الاستقرار، حتى ساءت الأوضاع في المنطقة بما في ذلك مالي، فشهدت مالي انقلاباً عسكرياً، ودخلت في مرحلة انتقالية انتهت سريعاً هي الأخرى بانقلاب، من ذات القيادة العسكرية، وفي هذه الأثناء ساءت علاقات السلطات العسكرية الجديدة مع باريس، إلى أن انسحبت فرنسا عسكرياً تماماً من مالي عام 2021، وانقطعت العلاقات تماماً بين البلدين. [12] 

وفي أوساط يسودها عدم الاستقرار كانت القوات الفرنسية تؤدي مهمة دعم القوات الحكومية في التعامل مع العنف الداخلي في إفريقيا الوسطى ضِمن عملية "سانجاريس"، غير أنها لم تحقق أهدافها، ما دفع السلطات في "بانجي" عاصمة إفريقيا الوسطى، إلى مدّ جسور التعاون مع موسكو أوائل عام 2021، فأرادت فرنسا أن تُحدث فراغاً أمنياً فسحبت قواتها، وجاء ذلك على مُراد موسكو فكثَّفت من حضورها العسكري، فيما انقطعت كل أشكال التعاون بين "بانجي" وباريس. [13] 

وفي بوركينا فاسو حاولت فرنسا محاكاة تجربة غينيا كوناكري فدبرت في مستهلّ عام 2022 انقلاباً عسكرياً قاده المقدّم "بول هنري داميبا" وكادت الأمور تسير بالاتجاه الذي رسمته فرنسا لولا أن هبّ مجموعة من صغار العسكريين بقيادة النقيب إبراهيم تراوري في سبتمبر عام 2022 وانقلبوا على "داميبا" ففر خارج البلاد وتولى "تراوري" السلطة وساءت علاقاته مع فرنسا لدرجة طرد العسكريين والدبلوماسيين وانقطعت العلاقات بين البلدين تماماً. [14] 

وفي النيجر وعلى إثر تزايُد حِدّة الإرهاب والعنف، وعدم الاستقرار الناشئ عن توتُّر العلاقات المدنية العسكرية، والإخفاق الحكومي، وتعالي صيحات التذمُّر النخبوِيّ العسكري والشعبي، من الخضوع التامّ للسلطة الحاكمة، وعلى رأسها الرئيس "محمد بو عزوم" للهيمنة الفرنسية، نفذ عسكريون نيجريون انقلاباً عسكرياً في أواسط 2023، قاده الجنرال عبد الرحمن تياني واعتقلوا "بو عزوم"، وفي حينه رفضت فرنسا الاعتراف بسلطة الانقلابيين، وساءت علاقاتهم بباريس، لدرجة أنهم طلبوا من فرنسا سحب قواتها من البلاد، فأتمت الانسحاب أواخر عام 2023، وقرر عسكريو النيجر إلغاء كل اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، ودخل البلدان في قطيعة تامة. [15] 

وهكذا انقطعت العلاقات الثنائية تماماً، بين فرنسا وهذه الدول الأربع، وبهذا تكون قد فقدت جانباً كبيراً من نفوذها في إفريقيا، وبالتحديد في منطقة نفوذها التقليدية في الساحل إفريقيا وغربها، ومن الملاحَظ في التطوُّرات سالفة الذكر، أن تراجُع النفوذ الفرنسي صاحبَه تنامي نفوذ قُوى دولية وإقليمية أخرى، في مقدّمتها: روسيا، ثم الصين، ثم تركيا وغيرها، من القُوى الصاعدة الطامحة في وُلوج الساحة الإفريقية. 

رابعاً: أسباب تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا 

أدى اجتماع جملة من الأسباب إلى تراجُع النفوذ الفرنسي في إفريقيا وأهمها: 

1- الانقياد والتَّبَعِيّة السياسية 

لمَّا أصبح الرحيل الاستعماري الفرنسي حتمياً، تدبرت فرنسا عدداً من الأدوات السياسية، التي تؤمِّن لها التحكم شِبه الكامل في سياسات مستعمَراتها، ومن ذلك: استبدال نُظُم سياسية رئاسية أو شِبه رئاسية، بالنُّظم البرلمانية التي كانت قائمة في بعض المستعمَرات الفرنسية، كما حدث في ساحل العاج، ذلك بأن التحكُّم في رأس الدولة في النظم الرئاسية أو شِبه الرئاسية يعني التحكُّم في كل شيء، وتمكين حُكّام موالين تماماً لها من الوصول إلى السلطة، وتقديم الدعم السياسي لأنظمتهم والحماية لأشخاصهم، وتأمين بقائهم في السلطة، ورشوة كبار المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين وإفسادهم، وتجنيد نُخَب عسكرية، وتدبير انقلابات عسكرية يقودونها، للتخلص من أي حاكم تنبئ مؤشرات جدية، عن اعتزامه اتخاذ سياسات على غير مراد فرنسا، وقد كرست هذه الأدوات لهيمنة فرنسا على حُكّام مستعمراتها وسياساتهم، وهو ما غذَّى مشاعر الكراهية لهذه الهيمنة لدى النخب والجماهير، ودفع باتجاه التنكر للنفوذ الفرنسي ومحاولة التخلص منه. [16] 

2- الإخفاق الأمني 

كانت مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، أولى الأهداف والتطلعات النخبوية والشعبية، المرجوّة من الوجود العسكري الفرنسي، في كل الدول الإفريقية التي استضافت قوات فرنسية، وبخاصة في العَقْد الأخير الذي شهد نشاطاً مكثفاً، للجماعات الإرهابية ومافيا الجريمة المنظمة، وقد أخذ هذا التحدي حيزاً كبيراً، من مساعي الترويج للوجود العسكري الفرنسي في إفريقيا، غير أن النتائج كانت عكسية أو على الأقل غير مرضية، ففي السنوات العشر الأخيرة ساد عدم الاستقرار، وزادت عمليات العنف والإرهاب والجريمة المنظمة، ما أوقع خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، وتسبَّب في هجر كثير من السُّكّان مَواطنهم، فأصبح اللجوء والهجرة والنزوح سمة غالبة في المجتمعات الإفريقية. [17] 

وقد أثقلت هذه العمليات والمشكلات كاهل الحكومات الإفريقية، فوقفت عاجزة تستجدي الدعم والمعونة من الخارج، وبالطبع كان المستعمر الفرنسي حاضراً للتدخل بهذه الحُجّة، ومن ثَمّ فرض شروطه المجحِفة، ويمكن اعتبار استمرار، بل وتفاقُم هذه المشكلات، من أهم أسباب تنامي الرغبة في التخلص من الوجود العسكري الفرنسي، لدرجة أن بعض الباحثين والساسة، ذهب إلى فرضية تتحدث عن دعم فرنسا لأنشطة الإرهاب والجريمة المنظمة خُفْيةً، لضمان استمرار الحاجة إلى خدماتها، ومن ثم بقاؤها حاضرة في المشهد للتحكم فيه عن قُرْب. [18] 

3- الهيمنة الاقتصادية 

يدور اهتمام المستعمِرين بمستعمَراتهم الإفريقية، وجوداً وعدماً وقوةً وضعفاً، مع العائد الاقتصادي، ولم تشذّ فرنسا عن هذه القاعدة؛ فالمحرك الأول والأخير للسياسات الفرنسية، تجاه مستعمَراتها الإفريقية، هو الاستحواذ على أكبر قدر من مواردها الطبيعية بأقل تكلفة وأدنى جهد، وحجز الحصة الأكبر من أسواق هذه الدول للمنتجات الفرنسية. 

ومن هنا دأب الفرنسيون على الحصول لشركاتهم، على عقود طويلة الأجل بشروط مجحفة، مستغلين في ذلك غياب المنافس القوي، وتوافُق الشركات الغربية على تقاسُم مناطق النفوذ، وضعف البنى والهياكل الاقتصادية الإفريقية، واستشراء الفساد السياسي والإداري في أُطُر الدولة الإفريقية ومؤسساتها. 

وتُعَدّ اتفاقيات الارتباط النقدي، بين الفرنك الفرنسي ومن بعده اليورو، بالعملات الإفريقية للمناطق الاقتصادية الثلاث سالفة البيان، من أسوأ العقود التي تمنح فرنسا الهيمنة الاقتصادية على مستعمَراتها، أضِف إلى ذلك عقود الاستغلال طويلة الأجل، التي حصلت عليها الشركات الفرنسية، وبخاصة في قطاع التعدين. [19] 

4- سُوء الإدارة وضعف الأداء الحكومي 

بات إخفاق المسؤولين السياسيين والحكوميين، في تلبية مطالب مواطنيهم واحتياجاتهم في شتى المجالات، سمةً غالبةً في كل المجتمعات الإفريقية، وبخاصة في مجال الرعاية الصحية، والتعليم، وتحقيق الأمن الغذائي، وتوفير فرص العمل، وغير ذلك من الخدمات، بسبب انشغالهم بالتربُّح الشخصي والاثني من مناصبهم، وبسبب اتباع السياسات المُمْلاة عليهم من رُعاتهم الفرنسيين، وأياً ما كان هذا الإخفاق عن عمد أو إهمال أو عدم دراية، فقد ربط المواطن الإفريقي -بحق- بين هذا الإخفاق وبين الهيمنة الفرنسية على القرار الحكومي، ومن ثَمّ تنامت كراهية تلك الهيمنة، وتعالت أصوات المُطالِبين بالتخلص منها. 

5- التنافُر الثقافي والأخلاقي 

من بين أسباب تنامي ظاهرة كراهية الهيمنة الفرنسية على المجتمعات الإفريقية، سعي فرنسا المستميت نحو نشر الثقافة الفرنسية، وبخاصة نشر القِيَم التي تتعارض مع القِيَم الدينية والمجتمعية، للمجتمع الإفريقي التقليدي، مثل قِيَم الشذوذ والمِثْليّة والزواج الأحادي وغير ذلك من القِيَم الفرنسية، ويدعو الرفض الشعبي والنخبويّ لهذه القِيَم الدخيلة، إلى تَعالِي صيحات التخلص من الهيمنة الفرنسية على المجتمعات الإفريقية. [20] 

6- انتشار وتعمُّق الوعي المجتمعي 

مذ بدأت العولمة والتقارُب الثقافي والحضاري، ظهرت أجيال جديدة من النُّخَب المجتمعية والسياسية والعسكرية الإفريقية، تحمل أفكاراً جديدة مختلفة تمام الاختلاف عن أفكار النُّخَب التقليدية، لدرجة أن هذه النُّخَب التي تقود حركة المجتمعات الإفريقية الجديدة، باتت على قناعة تامة بأن المستعمر الفرنسي، لا يقدم خدمات مجانية، وبأنه يستنزف موارد بلدانهم، وأن هذا لن يتوقف إلا عن طريق واحد، هو التخلص من الهيمنة الفرنسية. 

7- اشتداد التنافُس الدولي واتساع هامش المناورة 

كان إحجام القُوى الدولية الغربية، عن تلبية الطلب الإفريقي المتنامي في شتى السلع والخدمات، أو حتى تباطؤها في ذلك، أداة فعّالة تتحكم بها هذه القوى، في سياسات ومسارات التنمية في إفريقيا، غير أن متغيراً مهماً ظهر في العَقْدين الأخيرين، فغيَّر من المعادلة ومن موازين القوى، ألا وهو تهافُت القوى الدولية والإقليمية، العائدة أو الصاعدة، وتنافُسها كروسيا والصين وتركيا والبرازيل والهند وإيران وغيرها، على ولوج الساحة الإفريقية. [21] 

وقد خلق هذا التزاحُم على الفرص في القارة، حالة من الوفرة في العروض السخية التي يقدمها هؤلاء للأفارقة، ما أتاح هامشاً واسعاً للمناورة أمام متخِذ القرار الإفريقي، ومنحه القدرة على المفاضلة بين البدائل المتعددة، بعد أن كان أسير الخيارات التي يتحكم الغرب في طرحها، وقد شجعت هذه الحالة الأفارقة، على استثمار هذا الهامش الواسع، للحصول على ميزات وشروط تعاقُدية أفضل، والانتقال إلى البدائل المتاحة، وهو ما حدث بالفعل في حالات كثيرة، منها: إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، ويمكن أن يحدث في حالات أخرى، ما لم تتراجع القوى الغربية عن سياساتها الجائرة والمجحِفة. 

8- انتشار العدوى (تأثير الدومينو) 

ثبت تاريخياً أن الظواهر السياسية، تنتقل سريعاً عن طريق العدوى، ولنا خير مثال في موجة التحوُّل الديمقراطي في إفريقيا في التسعينيات، وفي ثورات الربيع العربي مطلع الألفية الثالثة، وفي موجة الانقلابات الأخيرة التي اجتاحت الغرب الإفريقي، وتُعَدّ قدرة الدول الأربع التي قطعت علاقاتها تماماً مع فرنسا، على التعافي نسبياً من التأثيرات السلبية لهذه القطيعة، من الأسباب القوية التي تدعو إلى انتشار عدوى التخلص من هيمنة فرنسا على مستعمَراتها الإفريقية، وبخاصة أن البدائل الساعية إلى ملء الفراغات أصبحت متاحة وميسورة. 

9- تأثير الإعلام بشتى صوره 

لقد كان لوسائل الإعلام التقليدي أو الجديد، وللوسائط التي يقدمها، تأثيرٌ بالغٌ في قبول النفوذ والحضور الغربي أو الشرقي أو رفضه، عند النُّخَب والجماهير الإفريقية، وقد رصدت تقارير عديدة نشاطاً روسياً مكثفاً في مجال الإعلام، ترويجاً للحضور الروسي ومعاداةً للوجود الغربي، ومن صور ذلك النشاط: تمويل وسائل الإعلام والصحافيين الأفارقة، ورعاية المحتوى المعادي للغرب على شبكات التواصل الاجتماعي، وإطلاق وتمويل قنوات مسموعة ومرئية تبث محتواها في البلدان المستهدَفة، وقد أسهم ذلك النشاط بالفعل في تنامي الشعور العامّ، المعادي للوجود الفرنسي في المستعمرات الفرنسية الإفريقية، وتعزيز الرغبة في التخلص من الهيمنة الفرنسية [22] 

خامساً: مستقبل النفوذ الفرنسي في إفريقيا 

في ظل السياقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمجتمعية المتردية، التي آلت إليها المجتمعات الإفريقية الفرانكفونية، وفي ظل التراجع واسع النطاق والمتسارع، الذي اعترى النفوذ الفرنسي في هذه المجتمعات في السنوات القليلة الماضية، وفي ضوء ما تم استنتاجه من مسببات مباشرة أو غير مباشرة لهذا التراجع، يمكننا القول بأن النفوذ الفرنسي مرشَّح لمزيد من التراجُع والانحسار، وفي الوقت ذاته نرجّح أن المنافسين المناوئين للنفوذ الفرنسي -وفي مقدمتهم روسيا والصين وتركيا- لن يُوقفوا مساعيهم نحو مزيد من تعزيز مكانتهم ونفوذهم في إفريقيا الفرنسية، مستغلين ذلك التراجُع والانحسار الفرنسي.  

أما عن سلوك فرنسا المستقبلي مع الدول التي لا تزال ترتبط بفرنسا بعلاقات تعاونية، فمن المرجَّح أن تبادر إلى معالجة أسباب تراجُع نفوذها في إفريقيا عموماً، مع التركيز بالضرورة على ما تبقى موالياً لها من إفريقيا الفرانكفونية، منعاً من الانزلاق إلى ما وقعت فيه مع دول القطيعة، وذلك عَبْر انتهاج مُقارَبات جديدة، واتباع سياسات جديدة، من شأنها مَحْو الصورة الذهنية السلبية، المتراكمة في عقيدة شعوب هذه الدول ونخبها وقادتها. 

وأما مع دول القطيعة التي خرجت من العباءة الفرنسية، مثل: إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، فليس أمام فرنسا إلا: محاولة حمل السلطات في هذه البلدان، على العودة إلى تطبيع علاقاتهم معها، عَبْر إشاعة المزيد من حوادث الإرهاب والعنف، عَبْر دعم بعض التنظيمات الإرهابية أو الانفصالية، للضغط على هذه الحكومات، كما يحدث مع الأزواد في شمال مالي، أو أن تدبر تغييراً للسلطات الحالية المعادية لها، سواءً بطريقة دستورية أم غير دستورية، أم أن تسعى نحو استعادة العلاقات التعاونية أو الودية، مع السلطات القائمة في هذه البلدان، ولو استغرق ذلك وقتاً طويلاً، وجهداً وتضحيات كبيرة، ونرى أن فرنسا سوف تذهب إلى هذه الخيارات الثلاثة بالتوازي، مع التركيز على الخيار الثاني وهو التخلص من السلطات المعادية لها. 

خاتمة 

في خضمّ حرب النفوذ الدائرة حالياً في النظام الدولي، اجتمعت جملة من الأسباب بعضها يرجع إلى خطايا الفرنسيين أنفسهم، وبعضها يرجع إلى ما آلت إليه أحوال الأفارقة من تَرَدٍّ، وبعضها يرجع إلى كثرة المتنافسين على ولوج الساحة الإفريقية، فأحدثت خسائر غير مسبوقة في النفوذ الفرنسي في إفريقيا، ووصلت هذه الخسائر إلى حدّ إلغاء كل الاتفاقيات، وقطع كل أشكال العلاقات الودية مع أربع دول إفريقية، هي: إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولقد كانت العلاقات الفرنسية مع هذه الدول الأربع، بمثابة ركيزة أساسية للتحرُّكات الفرنسية في الفضاء الإفريقي، ومن هنا يمكن اعتبار فَقْد فرنسا لنفوذها في هذه الدول، خسارةً للقسم الأكبر من نفوذها في إفريقيا، ومحفِّزاً قوياً لمزيد من الخسائر في هذا النفوذ. 


يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)  

الهوامش : 

[1] قسيبة رشيد، "التغلغل الفرنسي في إفريقيا وبناء الإمبراطورية الاستعمارية خلال القرن 19"، في مجلة الدراسات الإفريقية، الجزائر: جامعة الجزائر2 أبو القاسم سعد الله، المجلد 3، العدد 9، كانون الأول/ ديسمبر2021) ص ص 43-51. 

[2] "ما الدور الذي تلعبه فرنسا في الاضطرابات التي تشهدها دول غرب إفريقيا؟"، موقع بي بي سي نيوز عربي، تاريخ النشر 6 آب/ أغسطس 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:05 م، على الرابط. 

[3] محمد عبد الحكيم، "لماذا تمتلك فرنسا قواعد عسكرية في إفريقيا؟"، علي موقع 24 أفرو نيوز، تاريخ النشر 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:10 م، على الرابط. 

[4]"النفوذ الفرنسي بإفريقيا.. من مركز تجاري إلى مستعمرات منهوبة"، موقع الجزيرة، تاريخ النشر 3 أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٣، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:15 م، على الرابط. 

[5] إدريس جنداري، "الفرانكفونية أيديولوجية نيوكولونيالية بغطاء ثقافي"، علي موقع هسبرس، تاريخ النشر 3 آذار/ مارس 2014، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:20 م، على الرابط. 

[6] ميرفت عوف، "حرب اليورانيوم.. المعركة القادمة بين روسيا والغرب في الساحل الإفريقي"، على موقع الجزيرة، تاريخ النشر 3 أيلول/ سبتمبر 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:25 م، على الرابط. 

[7] النفوذ الفرنسي بإفريقيا.. من مركز تجاري إلى مستعمرات منهوبة"، موقع الجزيرة، تاريخ النشر 3 أيلول/ سبتمبر 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:30 م، على الرابط. 

[8] إدريس جنداري، "الفرانكفونية أيديولوجية نيوكولونيالية بغطاء ثقافي"، علي موقع هسبرس، تاريخ النشر 3 آذار/ مارس 2014، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:35 م، على الرابط . 

[9] أمين حبلا، "إدريس ديبي.. نهاية غامضة لرجل فرنسا في الساحل الإفريقي"، على موقع الجزيرة، تاريخ النشر 20 نيسان/ إبريل 2021، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:40 م، على الرابط. 

[10] د. سعيد ندا، "الأسباب الخفية لانقلاب "دومبويا" على "كوندي"؟"، على موقع قراءات إفريقية، تاريخ النشر 30 أيلول/ سبتمبر 2021، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:45 م، على الرابط. 

[11] "خلافاً لموقفها من النيجر.. لماذا تعاملت فرنسا بهدوء مع انقلاب الغابون؟"، موقع الجزيرة،  تاريخ النشر 31 آب/ أغسطس 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:50 م، على الرابط. 

[12] حفصة علمي، "بين فرنسا ومالي.. السري والمعلن في علاقة متوترة"، علي موقع مونت كارلو الدولية، تاريخ النشر ١٠ تشرين الأول/ أكتوبر، ٢٠٢١، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 1:55 م، على الرابط. 

[13] المستقبل للأبحــاث والدراســات المتقدمــة، "انحســار الــدور: دلالات اســتعداد القــوات الفرنســية لمغــادرة إفريقيــا الوســطى"، (أبوظبــي: تقديرات المستقبل، العدد 1669، 25 تشرين الأول/ أكتوبر) ص ص 3-1. 

[14] ضباط بالجيش في بوركينا فاسو يطيحون بقائد الانقلاب العسكري، موقع بي بي سي نيوز عربي، تاريخ النشر 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:00 م، على الرابط. 

[15] "ملف: انقلاب النيجر.. الأسباب والتفاعلات والتأثيرات، موقع قراءات إفريقية، تاريخ النشر 4 كانون الأول/ ديسمبر 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:05 م، على الرابط. 

[16] "فرنسا ومستعمراتها السابقة.. لماذا بقي الاستقلال منقوصاً؟"، موقع دوتش فيللي بالعربية،  تاريخ النشر 8 آب/ أغسطس 2020، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:10 م، على الرابط. 

[17] د. حمدي عبد الرحمن حسن، "تقويم مقاربات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل" (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، سلسلة دراسات، أكتوبر 2022) ص ص 2-10. 

[18] "مالي تتهم فرنسا بدعم وتسليح جماعات إرهابية في الساحل الأربعاء"، موقع ميدل إيست أونلاين، تاريخ النشر 17 آب/ أغسطس 2022، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:15 م، على الرابط. 

[19] "الفرنك الإفريقي.. عملة استعمارية تتحكم بها فرنسا في اقتصاد القارة السمراء"، موقع الجزيرة،  تاريخ النشر 16 شباط/ فبراير 2024، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:20 م، على الرابط. 

[20] "رئيس وزراء السنغال الجديد ينتقد وجود فرنسا العسكري في بلاده ويوجه رسالة لمالي وبوركينا فاسو والنيجر"  موقع روسيا اليوم، تاريخ النشر 18 أيار/ مايو 2024، على الرابط. 

[21] د. ناصيف حتي، "القارة الإفريقية: مسرح للتنافس الدولي المتزايد"، علي موقع صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر 10 آذار/ مارس 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:25 م، على الرابط. 

[22] "تقرير: كيف تشنّ روسيا حربها الإعلامية في النيجر وإفريقيا؟"، موقع صحيفة الشرق الأوسط، تاريخ النشر 8 آب/ أغسطس 2023، تحققت آخِر زيارة بتاريخ 22 أيار/ مايو 2024 الساعة 2:30 م، على الرابط.