إفريقيا تدفع ثمن الاعتماد على الشركات العسكرية الروسية الخاصة

إفريقيا تدفع ثمن الاعتماد على الشركات العسكرية الروسية الخاصة

2024-06-07
1245 مشاهدة


توسعت مجموعة فاغنر في إفريقيا على مدى العقد الماضي، مستغِلةً الفوضى لتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية، ورغم زعم توفيرها للأمن، إلا أن نشاطاتها أدت إلى زيادة العنف وتفاقم الانقسامات داخل الجيوش الوطنية في القارة السمراء، مما يهدد الاستقرار والأمن على المدى الطويل.

نص الترجمة:

على مدى العقد الماضي، حققت مجموعة فاغنر نجاحات كبيرة في جميع أنحاء القارة الإفريقية، وعلى الرغم من وفاة مموِّلها وقائدها، يفغيني بريغوجين، ظلت جماعة المرتزقة موجودة في ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي. والآن تحت رعاية الدولة الروسية وتحت اسم الفيلق الإفريقي Africa Corps أو فيلق المشاة، قامت المجموعة بتوسيع عملياتها في منطقة الساحل في إفريقيا، وشرعت بتنفيذ مهمات جديدة في بوركينا فاسو والآن النيجر. وعلى الرغم من إعادة تسميتها من قِبل الكرملين واستيلائه عليها، يبدو أن المجموعة ومهامها الأوسع نطاقاً مشابهة تماماً لتلك التي كانت تقوم بها سابقاً. بالنسبة للدول التي تستأجرها، يُعَدّ الاعتماد على الشركات العسكرية الروسية الخاصة خياراً مكلفاً، ومن المتوقع فشله في توفير الأمن المطلوب، وبدلاً من ذلك من المرجَّح أن يُولِّد أو يؤدي إلى تفاقُم المظالم داخل القطاع الأمني.

بصفتها شِبه شركة عسكرية خاصة، عقدت مجموعة فاغنر صفقات أمنية مع الديكتاتوريين والمجالس العسكرية مقابل المال والوصول إلى الموارد الطبيعية. ففي ليبيا قاتلت إلى جانب قوات خليفة حفتر والجيش الوطني الليبي على أمل الحصول على حقول النفط الغنية. وفي السودان تم التعاقد معها أولاً من قِبل عمر البشير للقيام بعمليات تضليل وقمع المتظاهرين مقابل الذهب، ولتسهيل طموحات موسكو في الحصول على قاعدة بحرية في بورتسودان. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، عملت كحارس لنظام تواديرا Touadéra، حيث حصلت على حق الوصول إلى عمليات استخراج المعادن المربحة ونفذت مشاريع اقتصادية خاصة بها من تجارة الأخشاب وصناعة الكحول. وفي مالي استغلت المشاعر المعادية لفرنسا، حيث قدمت نفسها كشريك مفضل للمجلس العسكري الناشئ الذي كان يسعى إلى قطع العلاقات مع باريس ويحتاج بشدة إلى دعم مكافحة الإرهاب.

بعد وفاة بريغوجين في آب/ أغسطس 2023، بذلت الدولة الروسية جهوداً حثيثة للانخراط في مشروع فاغنر ودمج جماعة المرتزقة في مشروع جديد تحت قيادة وزارة الدفاع الروسية وسيطرتها، وتحديداً تحت إدارة مديرية المخابرات العامة الروسية GRU. وقد واجه هذا المشروع صعوبات، إلا أن توسُّعه ليشمل بوركينا فاسو والنيجر يشير إلى إحراز تقدُّم. وقد وُصفت المهمة الأخيرة بأنها مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة للولايات المتحدة، حيث دخلت القوات الروسية في مرحلة إنهاء عملية أمريكية لمكافحة الإرهاب استمرت عقداً من الزمن، وشهدت بناء قاعدة جوية بقيمة 100 مليون دولار، وكانت محطة رئيسية للمخابرات والمراقبة والاستطلاع في جميع أنحاء المنطقة.

وكما تشير هذه المهامّ الجديدة، فإن فاغنر، والمجموعة التي خلفتها، الفيلق الإفريقي، تقدم للكرملين أكثر بكثير من مجرد الاستغلال الاقتصادي عَبْر مجموعة من البلدان، فهي تتيح لموسكو الوصول الجيوسياسي والتأثير بتكاليف زهيدة نسبياً. ومن خلال التنافُس على النفوذ في مختلف أنحاء إفريقيا، تَعِدُ المؤسسة العسكرية الروسية الخاصة عملاءها بتعزيز الأمن بدون قيود وبيئات مساعدة تفضل الاستمرار في النظام الاستبدادي. يقوم المرتزقة بتدريب الجيوش وبالقتال إلى جانبها بدون أي ذكر لما يتعلق بحقوق الإنسان وأهمية العلاقات المدنية العسكرية، وهو عرض جذاب للأنظمة العسكرية الناشئة التي أرهقتها الشراكات مع الغرب المليئة بالاشتراطات الأخلاقية. ومع ذلك في الواقع تأتي الشركات العسكرية الخاصة الروسية مصحوبة بشروط مختلفة ومجموعة من العواقب غير المقصودة.

العواقب قصيرة المدى: الضحايا المدنيون والاستغلال

كان تواجُد شركة فاغنر مرحَّباً به من قِبل عدة حكومات إفريقية تعاني من أزمات أمنية خطيرة ومستمرة. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث تدور رحى الحرب الأهلية منذ أكثر من عقد من الزمان، اعتمد تواديرا على فاغنر لصدّ هجوم المتمردين على نتائج الانتخابات عام 2020. وفي مالي، دعم عناصر فاغنر النظام الحاكم، وشاركوا في عمليات مكافحة الإرهاب ضد التمرد المتزايد للجماعات الإسلامية، وساعدوا القوات المسلحة في مالي في استعادة الأراضي من تنظيم الطوارق Tuareg  الانفصالي في شمال البلاد.

تبدو ظاهرياً حملات فاغنر ضدّ التمرد والإرهاب وكأنها قصص نجاح، على الأقل بالنسبة لمن يطلبون خدماتهم. ويؤكد المدنيون في جمهورية إفريقيا الوسطى على وحشية عمليات فاغنر، ولكن يبدو أنهم يرحبون بتعزيز الأمن، حتى ولو كان الأمر لحظياً عابراً. جهود فاغنر لتعزيز أمن غويتا في باماكو، واستعدادها لدعم حملات القوات المسلحة المالية ضد الطوارق، والمكاسب على الأرض الناتجة عن ذلك، حازت على استحسان بعض الماليين. ومع ذلك فإن فحصاً أدق يكشف عن طريقة عمل فاغنر الحقيقية، التي تتجاهل تماماً، إن لم تكن بشكل متعمَّد، قوانين النزاع المسلح حيث يستهدف عناصرها المدنيين، ويشجعون على الاغتصاب والعنف الجنسي، وبشكل عامّ، يمارسون سياسة مبنية على استهداف عشوائي. وهذا أبعد ما يكون عن وصفة للأمن الدائم، وبدلاً من ذلك يزيد من عدم الاستقرار مع خلق بيئة مليئة بالاستياء.

إن عمليات فاغنر العشوائية ليست وحشية فحسب، بل تم التشكيك في فعاليتها. فوفقاً لمجموعة بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثه Armed Conflict Location and Events Dataset، زاد العنف ضد المدنيين بشكل كبير منذ دخول فاغنر على الخط. وقد شمل هذا العنف عمليات إعدام ميدانية، حتى أنها استهدفت الأطفال. ومن أجل الحفاظ على إمكانية الإنكار المعقول، تشير فاغنر إلى حملات مكافحة التمرد العدوانية التي تسعى إلى تعزيز الاستقرار كتفسير للتسبُّب بالوفيات بين المدنيين. كما يعمل الكمّ الهائل من الدعاية والمعلومات المضلِّلة الروسية على الحفاظ على سمعة فاغنر. وكما أشار أحد المحللين، فقد قررت الشركات العسكرية الخاصة الروسية أن العمل، حتى مع وجود خطر ارتكاب أخطاء، أكثر قيمة من التقاعس عن القيام بأي تحرُّك. وفي حين تجدر الإشارة إلى أن مسار العنف في كل من مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى كان في حالة تدهور قبل مشاركة فاغنر، إلا أن فاغنر لم تَقُمْ سوى بتسريع اتجاهات العنف هذه، ولا شك أن الفيلق الإفريقي سيكمل هذه المسيرة.

بعيداً عن العواقب الشديدة لعمليات فاغنر في مجال الأمن، تستغلّ المجموعة وصولها في المنطقة لاستخراج الموارد في عرض وقح للميول الاستعمارية الجديدة، حيث تقدم فاغنر خدماتها في تعزيز أمن النظام مقابل الوصول إلى الموارد. وتستفيد الأنظمة الناشئة من عملية تعزيز الأمن هذه، أو الوعد بالقيام بها، في حين تحصل شبكة فاغنر من الشركات الوهمية على حصة في صناعات استخراج الموارد في الدول التي تطلب خدماتها. ففي جمهورية إفريقيا الوسطى، تعتبر الشركات التابعة لفاغنر مثل Lobaye Invest وMidas Resources، لاعبين رئيسيين في صناعة الذهب والماس، مما يساعد على تغطية كلفة التعاقد مع فاغنر، ويُثري الطبقة الحاكمة (الأوليغارشية) الروسية، ويساعد كذلك نظام الكرملين على خرق العقوبات، وعلى الرغم من عدم نجاحها في مالي، حاولت فاغنر إقحام نفسها في قطاع استخراج الذهب هناك. وقد استمر هذا الاتجاه، حيث وقعت باماكو وموسكو اتفاقاً في نهاية العام الماضي يقود إلى إنشاء أكبر مصهر للذهب في مالي. إن الإقبال بنهم على عمليات استخراج هذه الموارد يمكن أن يفيد جهود الكرملين القتالية في أماكن أخرى.

التكاليف المحتملة على المدى الطويل للتعاقُد مع الشركات العسكرية الخاصة الروسية: الديناميكيات العسكرية الداخلية

في حين أنه من السهل إلى حدّ ما ملاحظة التأثيرات المباشِرة لفاغنر، إلا أن التحوُّلات الجذرية التي تؤثر على الجيوش في المنطقة لم يتم استكشافها إلى حدّ كبير من قِبل المراقبين، ولذلك نحاول التعمق من خلال بحثنا المستمر للنظر في الآثار المحتملة على قوات الدولة التي يسعى قادتها السياسيون للتعاقد مع الشركات العسكرية الخاصة. وتشير العديد من الحكايات التي يرويها البعض إلى الانقسام والتمزق وانخفاض الروح المعنوية بين الجيوش الوطنية كنتيجة مباشرة لعمليات فاغنر في المنطقة. وعلى الرغم من تسويق نفسها كشريك أفضل من الغرب، فإن الشركات العسكرية الخاصة الروسية تهيئ الساحة لصراعات عسكرية داخلية دائمة.

إلى الآن تركزت الأبحاث حول الاستعانة بالشركات العسكرية الخاصة بشكل كبير على التأثيرات بعيدة المدى للتعاقُد، مع التركيز على كيفية تأثير الشراكات مع هذه الجهات على ديناميات الصراع المتمثِّلة في شدته، ومدته، واحتمالية تكراره. ومع ذلك يمكن لوجود الشركات العسكرية الخاصة أن يؤثر أيضاً على الجيش الوطني بطرق فريدة. على سبيل المثال وصول فاغنر إلى أماكن مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي تم تقديمه كحل منقذ للجيوش التي تواجه تحديات أمنية كبيرة، ولكن الاستعانة بمصادر خارجية لتحقيق الأمن -خاصة عندما يرتبط ذلك باستثمارات كبيرة موجَّهة لوكلاء خارجيين- يمكن أن تُولّد مَظالِم كبيرة بين الجنود العاديين. هذه المظالم قد تكون مرشَّحة للظهور بشكل خاص في الأماكن التي تعاني من قيود شديدة على الموارد أو ظروف صعبة يعيشها الجنود، مما يجعل جيوش دول تلك المنطقة عُرْضةً بشكل خاص للتمرُّد والانقسامات. ولا تتفاقم هذه المخاطر إلا مع ظهور وجود الشركات العسكرية الخاصة واستمرارها.

ببساطة يمكن للاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة مثل فاغنر أن يفاقم مشاكل القوات المسلحة بقدر ما يمكن أن يساعدها. بالإضافة إلى المظالم المتعلقة بالتكلفة، حيث قد يؤدي قرار الحكومة بإنفاق الأموال على الشركات العسكرية الخاصة إلى تحويل الموارد بعيداً عن الجيش، فإن الدولة التي ترى أنه من الضروري التعاقُد مع شركة عسكرية خاصة قد يؤدي ذلك بها إلى تدهور الروح المعنوية. وسواء كانت هناك حاجة فعلية لطلب المساعدة الخارجية أم مجرد تصوُّر لذلك، فقد يرى بعض أفراد القوات المسلحة مثل هذا التعاقد كتصويت بحجب الثقة عنهم، وبالتالي يتصرفون بطرق تعبر عن استيائهم بشكل صريح، مما قد يؤدي إلى تمرُّدهم.

التمرُّدات هي احتجاجات عسكرية تهدف إلى إرسال رسالة قوية تتعلق بالمظالم الجماعية. وغالباً ما تكون التمرُّدات مؤشراً مبكراً على السخط العسكري الذي إذا تُرك دون رادع يمكن أن يتصاعد إلى أحداث أكثر دراماتيكية مثل الانقلابات أو الانشقاقات الجماعية. يبدو أن عمليات فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى قد أحدثت بعض الخلافات بين فئات من قطاع الأمن. وتشير تقارير من منظمات حقوقية إلى أن الاحتكاك بين قوات الدرك في جمهورية إفريقيا الوسطى وفاغنر، نتيجة لعمليات فاغنر العشوائية، أدى إلى تمرد الشرطة العسكرية في محاولة لإظهار السخط. ويُبرز هذا الحدثُ الطُّرُقَ التي يؤدي فيها اللجوء إلى تكتيكات كالتعاقد مع شركات خاصة مثل فاغنر إلى تقويض المؤسسات في المنطقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الرضا والشك في الشركات العسكرية الخاصة الروسية قد يؤدي ببعض الجنود إلى الانشقاق أو الفرار. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، تشير الأدلة المتناقلة إلى أن القوات المسلحة لوسط إفريقيا شهدت مثل هذه الانشقاقات، والتي يُقال إنها نتيجة مباشرة للتعاقد مع فاغنر. فوفقاً للتقارير، انشق المتمردون السابقون الذين تم تجنيدهم في الجيش من قِبل فاغنر للعودة للانضمام إلى جماعة المعارضة الرئيسية، تحالف الوطنيين من أجل التغيير. وقد نبعت دوافعهم -جزئياً- من شائعات مفادها أن مجموعة فاغنر كانت تقوم بتدريب الجنود وإعادة توزيعهم على جبهات أخرى في مالي وأوكرانيا. وفي مقابلة قال أحد هؤلاء الجنود المنشقين: "زملاؤنا الذين اختفوا ليسوا في بانغي ولا في بيرينغو، في حين قيل لنا إنهم نُقلوا إلى العاصمة لمزيد من التدريب. ربما هم الآن في أوكرانيا ليكونوا بمثابة قوة بشرية لدعم القوات الروسية".

هذه الديناميكيات العسكرية الداخلية هي أحد أعراض مشكلة أكبر بكثير، وهي مشكلة يمكن أن تتفاقم بسبب وجود الشركات العسكرية الخاصة الروسية. وبالإضافة لجمهورية إفريقيا الوسطى، من المحتمَل أن يكون هناك تأثير عميق على أمن الدول المتعاقدة مع الشركات العسكرية الخاصة الروسية في منطقة الساحل إذا تعرضت جيوشها إلى الانشقاقات والعصيانات وانخفاض الروح المعنوية والتمرد، فأي دولة لا يمكن أن تكون قوية إلا بقدر قوة وعزيمة جيشها، ولذلك لا بد من التأكيد على حقيقة أن التعاقُد مع فاغنر/ الفيلق الإفريقي، من أجل توفير الأمن للدولة المتعاقدة، هو تهديد في الوقت ذاته يمكن أن يتسبَّب بتقويض جيش الدولة المتعاقدة.

بالإضافة إلى التكتيكات التي قد تؤدي إلى استياء الجنود، فإن الاحتكاكات داخل المؤسسة العسكرية قد تنشأ أيضاً عندما تتعاقد الدولة مع شركة عسكرية خاصة يتولى موظفوها مواقع السلطة والإشراف على أفراد الجيش الوطني. يمكن أن تؤدي التبعية للأجانب إلى توليد شكاوى تهدد التماسُك التنظيمي في المؤسسة العسكرية نفسها، وبالتالي تراجُع فعّالية الجيش. وحالة فاغنر/الفيلق الإفريقي المستمرة في مالي هي مثال على هذه الديناميات، حيث يشير الباحثون إلى أن بعض أفراد الجيش المالي يشعرون بالاستياء من المرتزقة الروس على الرغم من وجود مواقف مشتركة في إستراتيجيات مكافحة الانتفاضات. وقد تمت تسمية مشاكل فيما يتعلق بمسؤوليات القيادة والتحكُّم والسلطة وحتى العنصرية كملامح رئيسية تؤدي إلى الاستياء بين الطرفين. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المبكِّر جدًا الحكم، إلا أن الاحتكاك المُبلَّغ عنه قد يؤدي في النهاية إلى ندم الدول التي تعاقدت مع فاغنر، وحدوث ثورات عسكرية.

إن شركات الأمن الخاصة الروسية تزرع بذور التحديات المدنية العسكرية لعملائها في المستقبل. وكما توضح الحالات المذكورة أعلاه، هناك إمكانية حقيقية ومتزايدة لتهديد تماسُك الجيش الداخلي بسبب الخيارات التكتيكية والتشغيلية لفاغنر، بالإضافة إلى تكاليف عقودهم. ومع توسُّع الفيلق الإفريقي في المزيد من الدول الصحراوية ذات التاريخ الحديث للعلاقات المدنية العسكرية الهشّة، يصبح الخطر أكثر واقعية. ربما حلت تعاقُدات فاغنر تحدياً أمنياً قصير المدى للحكومات العسكرية الناشئة، لكن هذا الحلّ قد يؤدي إلى خلق تحديات داخلية خطيرة وطويلة الأمد، قد تظهر على شكل ثورات عسكرية في أفضل الأحوال، وأزمات مدنية عسكرية أكثر خطورة في أسوأ الأحوال. وعلى الرغم من أن مثل هذه المشاكل قد تكون محدودة حتى الآن (أو على الأقل محدودة من حيث ما هو معروف علناً)، إلا أنها تستحق الاهتمام بها بينما تتطور العلاقات بين الفيلق الإفريقي وجيوش الدول المتعاقدة.

ومن المفارَقات هنا أنه في حالات مثل جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي، كانت فاغنر بمثابة علاج "لحماية الانقلابات" بقدر ما كانت قوة لمكافحة التمرد. وكما أظهر الباحثون، فإن المجندين الأجانب يمكن أن يكون لهم تأثير مثبط على احتمالات الانقلابات، مما يخلق حواجز كبيرة أمام تنسيق الانقلاب. ولكن في حين أن الاعتماد على الشركات العسكرية الخاصة مثل فاغنر قد يعزل قادة النظام عن التهديدات الأكثر خطورة التي تهدد حكمهم، فإن مثل هذه الشراكات تؤسس لوجود توتُّرات أو صراعات داخل قطاع الأمن، وهذه التوتُّرات تتسبب في مشاكل مختلفة وأكثر تعقيداً مما كانت عليه في السابق.

الخُلاصة والآثار السياسية

هذا التحليل ليس الأول الذي يأخذ في الاعتبار الطرق العديدة التي تجعل فاغنر مركزة على توفير أمن النظام بدلاً من أمن الشعب في مواجهة تهديدات المتمردين. وفي الواقع قام آخرون بدراسة ما هو أبعد من ذلك، حيث قالوا إن التعاقد مع فاغنر يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التمرد في جميع أنحاء المنطقة، إلا أن تحليلنا هذا يستكشف مساراً جديداً من المحتمل أن تظهر من خلاله المظالم، وتحديداً من خلال التهديد الذي تمثله فاغنر لجيش الدولة المتعاقدة المتمثِّل بالتفكُّك.

تأثير فاغنر على الجيوش الإفريقية عنصر مهم من عناصر التأثير العالمي الأوسع الذي يمتلكه الكرملين. فقد سعى الغرب والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا Economic Community of West African States والاتحاد الإفريقي إلى تطوير معايير مضادة للانقلاب تقيد انقلابات الجيوش، فالمعايير هي الفهم الأساسي الذي يوجه السلوك بطرق مهمة، وفي هذه الحالة، بطريقة تعزز الديمقراطية. ولكن تم تعريض المعيار المضادّ للانقلاب بالفعل للخطر من خلال دعم فاغنر المباشر والضمني للزعماء الذين جاؤوا من خلال الانقلاب، ويمكن أن يتم اختبار هذا المعيار المضاد للانقلاب بشكل أكبر أثناء تصدي جيوش منطقة الساحل للتحديات التي تفرضها فاغنر والتكلفة العالية لتكتيكاتها.

ومع تدهور هذه المعايير بشكل أكبر، ربما يكون المجتمع الدولي قد شهد فقط أُولى مراحل التصعيد الأكبر القادم في زعزعة الاستقرار العالمي.

على الرغم من وجود أدلة محدودة حتى الآن على أن فاغنر/ الفيلق الإفريقي تثير المشاكل والاحتكاكات داخل جيوش الدول المتعاقدة معها، فإنه ليس من الصعب تصوُّر أنه في المستقبل القريب ستصبح جيوش الدول العميلة غير راضية بشكل متزايد عن شركائهم الأمنيين الروس، أو عن أجزاء أخرى من القوات المسلحة التي قد تكون متحالفة أو مدعومة بشكل أكبر من قِبل شركات الأمن الروسية الخاصة. وعلى الرغم من أن الحالة ليست مطابقة لما يحدث في إفريقيا، إلا أنه لا بد من النظر في تمرُّد فاغنر في حزيران/ يونيو 2023 للتأكد من حقيقة أن التاريخ الحديث لوزارة الدفاع الروسية يُمثِّل حالة خَلقت فيها النزاعات العسكرية وشِبه العسكرية تحديات خطيرة.

إن فَهْمنا لتأثيرات عمليات مجموعة فاغنر في وسط إفريقيا ومنطقة الساحل يتطور بناءً على التجارب الحاصلة، ولهذا السبب -وبالنظر إلى الطبيعة المتطوِّرة للمجموعة ونضوج أنشطتها في المنطقة- سيكون من الأهمية بمكان مُراقَبة التفاعُلات بين الفيلق الإفريقي والجنود العاديين عن كثب.

ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر:
(معهد أبحاث السياسة الخارجية)