الاحتجاجات الداخلية في إيران: حدود التأثير
2022-12-161371 مشاهدة
على مدى عقود كانت مسألة القيم الدينية والاجتماعية في إيران تتصادم مع قضايا الحداثة التي صبغت حياة الأجيال الجديدة في المجتمع، ونال موضوع الحجاب مساحة واسعة من النقاش الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي في البلاد. حيث صار الحجاب بحكم القانون رمزًا سياسيّاً متجاوزاً مساحته العبادية والفقهية، وأصبح خلعه في الأماكن العامة شكلاً من أشكال الاحتجاج والرفض لسياسات النظام، وجاءت قضية الفتاة الإيرانية ذات الأصول الكردية "مهسا أميني" التي تُوفيت في السادس عشر من سبتمبر 2022، بعد اعتقالها من قِبل "دورية الإرشاد" التي تراقب الحجاب والسلوكيات العامة لتفتح الباب أمام موجة واسعة من الاحتجاجات الشعبية ضد هذه السياسات.
هناك أزمة حقيقية يعاني منها النظام السياسي الإيراني فيما يتعلق بقدرته على فهم التغيرات القيمية والاجتماعية والثقافية والفكرية في المجتمع مُقارَنة بما كانت عليه الأوضاع مع نجاح الثورة في إيران عام 1979، لأن هناك أجيالًا نشأت في ظل أولويات وتفضيلات قيمية ومعيارية وسلوكية مغايرة تماماً لتلك التي كانت سائدة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، بل وحتى تلك التي كانت سائدة قبل 10 سنوات فقط مع موجة الثورات الشعبية في الدول العربية، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي وتصاعُد دورها في التغيير السياسي والثقافي، ولم تَحُلْ سياسات النظام في حجب مواقع هذه الشبكات من الحد من تأثيراتها.
كما لم يَعُدْ حديث المؤامرات والشيطان الأكبر مُقنعاً للكثيرين في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وانهيارات العملة الوطنية الإيرانية خلال السنوات الماضية.
لقد جاء قرار حل جهاز "شرطة الأخلاق" على خلفية احتجاجات 2022، ليثير مخاوف السلطة في إيران من أن يؤدي القرار إلى سلسلة جديدة من التنازُلات نتيجة استمرار أو تصاعُد ضغط الشارع ومطالبه بغضّ النظر عن توجُّهات المحتجين أو مَن يقف خلفهم في الداخل أو الخارج.
وتعددت الاجتماعات والنقاشات حول الآليات التي يمكن أن تساعد في الخروج من مأزق التوفيق بين الهُوِيَّة الدينية للنظام وكيفية التعاطي مع المتغيرات الاجتماعية والثقافية التي فرضتها الحركة الاحتجاجية الأخيرة، ونجاحها في إلغاء إلزامية الحجاب، وأصبح النظام مُطالَباً بالاعتراف بوجود فجوة حقيقية بينه وبين القاعدة الشعبية من الأجيال الجديدة التي أصبح الرفض داخلها يتنامى ضد سياسات النظام.
لقد شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة العديد من الموجات الاحتجاجية، من بينها احتجاجات طلاب جامعة طهران في عهد خاتمي، ثم احتجاجات الحركة الخضراء في 2009 بعد إعادة انتخاب أحمدي نجاد، والاحتجاجات المعيشية في عهد روحاني في 2017، وصولاً لاحتجاجات 2022، وجميعها لم تؤدِّ إلى سقوط النظام، ليس فقط بسبب ضعف هذه الاحتجاجات وعدم قدرتها على الحشد والتعبئة والاستمرارية، ولكن أيضاً بسبب القدرات العالية على الضبط والسيطرة التي يمتلكها النظام، وجزء كبير من هذه القدرات تتمثل في مؤسسات يغلب عليها الطابع الشعبي المرتبط بالثورة وفصائلها وحماتها والتي تتغلغل في كل أركان المجتمع.
هذا بجانب أن معظم الحركات الاحتجاجية التي شهدتها إيران، وتحديداً منذ بداية الألفية الجديدة، تفتقر إلى القيادة الواضحة التي تتمتع بالحضور والتأثير والكاريزما، مقارنة بما كانت عليه قيادة الخميني للحراك الاحتجاجي في سبعينيات القرن العشرين، رغم أن الكثير من موجات الاحتجاج التي شهدتها إيران تمثل في الجانب الأهم منها صراعاً على هُوِيَّة إيران السياسية والاجتماعية مدفوعاً بالتحدِّيَات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.
وفي إطار هذه الاعتبارات يمكن القول: إن احتجاجات 2022، لن تؤدي إلى إسقاط النظام في إيران، لكنها ستُشكِّل مصدراً من مصادر التوتر وعدم الاستقرار، إذا لم يستطع النظام التعاطي معها بفاعلية تراعي المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع الإيراني.