الروبل الروسي قيمة مرتفعة قد تؤدي لتحقيق المقاصد الغربية
2022-05-242108 مشاهدة
مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا؛ رفعت الدول الغربية من مستوى عقوباتها على الاقتصاد الروسي بشكل غير مسبوق فعلياً، فقد خرجت الكثير من الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب من السوق الروسية، كما بدأت بعض الشركات تبحث عن مصادر أخرى للتعاملات غير تلك الروسية؛ بالنتيجة وجدنا أن الروبل الروسي فقد ما يزيد عن 20% من قيمته في الأسابيع القليلة الأولى من الحرب، ليتم تداول الدولار بسعر يفوق مئة روبل، وفي بعض الحالات فوق 125 روبل للدولار الواحد.
ماهي إلا أيام حتى بدأ الروبل يستعيد قيمته عائداً إلى مستويات ما قبل العقوبات، بل ويتجاوزها ليحقق مكاسب غير مسبوقة فعلياً ليصبح سعر الدولار الواحد حوالي 57 روبلاً.
تبدو هذه الأرقام مريحة لصانع القرار الروسي ظاهرياً، حيث يستطيع أن يُحاجج بأن العقوبات فشلت باستهداف اقتصاده، خاصة إذا ما أضيفت لها مؤشرات تحسن مستويات التضخم في روسيا. ولكن ثمة كلفة مرتفعة تدفعها موسكو عند هذا السعر لعملتها، وهي تظهر في ثلاث جوانب:
1- مع فرض العقوبات على الاقتصاد الروسي، سعت الحكومة للمواجهة الاقتصادية من خلال فرض التسعير بالروبل للسلع الأساسية، أي الغاز والنفط والفحم والحبوب الرئيسية والمعادن؛ وهي سلع رئيسية مهمة للاقتصادات الشريكة. تقول الحكومة أن 22 من أصل 54 شركة لديها عقود مع غاز بروم فتحت حسابات بالروبل الروسي، بما يعني أنهم إما أذعنوا لطلبات روسيا أو أنهم في طريقهم للأمر، ولكن الدفع بروبل مرتفع القيمة يعني أن تدفع هذه الشركات مبالغ أكبر فعلياً. بالنسبة للأجانب في حال كان كل 100 روبل يعني دولاراً، وكان ثمن سلع ما 50 روبلاً؛ فهذا يعني أن الشركة تستطيع شراء قطعتان من هذه السلعة مقابل دولار واحد. وفي حال أصبح كل 50 روبلاً دولاراً واحداً؛ فهذا يعني شراء قطعة واحدة. هكذا فإن روبل مرتفع القيمة سيجعل حجم صادرات روسيا أقل ومشتريات الأجانب بالتالي أقل.
2- بدأت بعض الشركات تشتري الروبل الروسي فعلياً مما تسبب برفع قيمته جراء الزيادة في الطلب، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تستطيع موسكو شراء سلع أجنبية بالروبل الروسي بسهولة، نعم قد يكون مطلوباً لهذه الشركات وحسب، ولكنه لن يصبح عملة مقبولة دولياً، فالبنوك المركزية وكذلك الشركات تعلم أن الروبل محاط بحالة واسعة من عدم اليقين وبأن سعره المتربع على قمة جبل روسي جليدي قد يتعرض للانزلاق السريع في وقت ما.
3- للحفاظ على قيمة مرتفعة للروبل الروسي كلفة نقدية تتمثل بضبط تدفق رؤوس الأموال خارج البلاد، وبالتالي المخاطرة بحرية الأسواق، كما أن البنك المركزي الروسي سيضخ عملات أجنبية لشراء الروبل في حال انخفض الطلب عليه -في سبيل الحفاظ على حدوده التوازنية- وهذا يعني مزيد من المخاطرة بما تبقى لدى المركزي من احتياطات أجنبية مهمة للإنفاق الروسي المدني والعسكري الآخذ بالتوسع على خلفية حرب بدأت للتو ولا يبدو أنها ستنتهي قريباً.
يراقب المشترون المحتملون من روسيا الوضع عن قرب، ويعلمون أنهم عند التعامل مع الشركات الروسية فإنهم يواجهون ثلاثة أخطار رئيسية: خطر العقوبات التي يجب عليهم تجنبها من خلال عمليات الشراء، وخطر لوجستي يتعلق بالوضع في المنطقة وحركة الموانئ والنقل، وخطر قيمة سلع مرتفعة عند تقويمها بالعملات الأجنبية. وعند وضع هذه المخاطر في كفة وبدائل السلع الروسية في كفة أخرى؛ فمن المرجح أن يذهب المشترون بعيداً عن الاقتصاد الروسي، وهو ما ترغب الدول الغربية برؤيته، كونه يحقق مقاصد العقوبات.