الممرّ المقترح بين الهند والشرق الأوسط قد يعيد تشكيل الترابُط الأوراسيّ برغم التحديات

الممرّ المقترح بين الهند والشرق الأوسط قد يعيد تشكيل الترابُط الأوراسيّ برغم التحديات

2023-09-18
1173 مشاهدة


نشر موقع سكيل رود بريفينغ مقالاً بعنوان "الممرّ المقترح بين الهند والشرق الأوسط قد يعيد تشكيل الترابُط الأوراسيّ برغم التحديات" تحدث فيه الكاتب عن فرص نجاح أو إخفاق مشروع إنشاء ممرّ نقل وطريق اقتصادي يربط منطقة جنوب آسيا بالبلدان الخليجية وبلدان أوروبية تحت اسم ممرّ الهند - الشرق الأوسط - أوروبا" (IMEC).


نص الترجمة:

على هامش قمة مجموعة العشرين (G20) في نيودلهي، الهند، اتفقت كل من الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي على إنشاء ممرّ نقل وطريق اقتصادي يربط جنوب آسيا بدول الخليج العربي مع بلدان أوروبية يُطلق عليه اسم "ممرّ الهند - الشرق الأوسط - أوروبا" (IMEC)، وقد قامت الأطراف بتوقيع مذكرة تفاهُم متعلقة بهذا الشأن.

وبحسب بيان صادر عن البيت الأبيض، فإن المبادرة “ستتألف من ممرين منفصلين؛ الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج العربي والممر الشمالي الذي يربط الخليج العربي بأوروبا”. وسيتضمن المشروع خطّاً للسكك الحديدية سيوفر -عند اكتماله- شبكة عبور موثوقة وفعّالة من حيث التكلفة عَبْر الحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البحري والبري الحالية، مما يتيح عبور البضائع والخدمات بين الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا."

يتضمن المشروع بناء شبكة سكك حديدية وتطوير البِنْية التحتية للموانئ المرتبطة بها من الهند إلى الخليج وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط. الأطراف المشاركة تعتزم زيادة قدرة المسارات على نقل البضائع المصدَّرة والعبور. هذه هي أول مبادرة تعاوُن في مجال الاتصالات والنقل تشمل الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة. من المتوقع أن يؤدي الممر الجديد إلى زيادة الكفاءة وتقليل وقت النقل وتكاليفه وخلق فرص عمل جديدة وزيادة الإنتاجية عَبْر طرق النقل.

وهذا ليس المشروع الكبير الأول الذي تؤيده الولايات المتحدة بهدف إعادة تشكيل الاتصال العالمي بطرق تعود بالنفع على واشنطن واللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا. هناك فكرة أخرى تتمثل في الممر العابر لإفريقيا، الذي سيحسن روابط النقل من مقاطعة كاتانغا في جمهورية الكونغو الديمقراطية والحزام النحاسي في زامبيا مع ميناء لوبيتو في أنغولا.

تتناسب الحملة الدعائية لمشروع الممرّ "الهندي-الشرق أوسطي" مع أجندة واشنطن الأوسع للتوصل إلى اتفاق دبلوماسي كبير في الشرق الأوسط بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. والأهم من ذلك أن واشنطن تعتبر أيضاً مشروع الممر "الهندي-الشرق أوسطي" جزءاً من الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البِنْية التحتية (PGII) ، وهي مبادرة لتمويل مشاريع البِنْية التحتية لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI).

ومع ذلك هذه ليست الطريقة التي تنظر بها دول الشرق الأوسط إلى الممر "الهندي-الشرق أوسطي"؛ أولًا لا تعتبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه المبادرة كمشروع ضد الصين، بل بوصفها خُطوة قد تساعدهم اقتصادياً وبِنْيوياً لتحسين موقعهم في الاتصالات العالمية المتغيرة، وهو الأمر الذي تفاقم بعد النزاع في أوكرانيا. علاوة على ذلك يرون الممر "الهندي-الشرق أوسطي" أيضاً كوسيلة لتعزيز فكرة العالم متعدِّد الأقطاب. لقد جاء قرار الانضمام إلى الممرّ بعد خُطوة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الأخيرة نحو الانضمام في عضوية "البريكس"، وهو تدبير آخر لبناء نظام عالمي متعدِّد الأقطاب. عموماً من خلال مشروع الممر "الهندي-الشرق أوسطي"، تأمل دول الخليج في تقدُّم سياستهم الخارجية المتعددة الاتجاهات الناشئة إذ إن الاعتماد الحصري على الصين لم يكن أبداً خياراً بالنسبة لهم حيث تستمر دول الخليج باتباع نهج مماثل في العلاقات مع الولايات المتحدة.

تسعى دول الخليج أيضاً لتحقيق مصالحها الداخلية. على سبيل المثال يتوافق الممرّ المحتمل تماماً مع الأجندة التي تتبعها القيادة السعودية لإعادة تشكيل البلاد من خلال خلق اقتصاد متنوع بحلول عام 2030 وكجزء من رؤية المملكة العربية السعودية 2030. بالنسبة للإمارات يتعلق الأمر في المشاركة في هذه المبادرة أيضاً بفتح البلاد ومواردها لجمهور عالمي أوسع لجذب الاستثمار وزيادة الوزن الجيوسياسي للدولة.

تسود مشاعر مماثلة في الهند، فلطالما كانت نيودلهي مهتمة بتطوير ممرات تجارية جديدة كوسيلة لمواجهة المشروعات الطموحة للصين في باكستان ومنطقة الهند والمحيط الهادئ الأوسع. لكن بالنسبة لنيودلهي، إطلاق الممر "الهندي-الشرق أوسطي" يتعلق أكثر بالاعتبارات الجيواقتصادية الخاصة بها. في الواقع، سيوفر الممرّ اتصالاً آمِناً مرغوباً منذ فترة طويلة مع الشرق الأوسط، العلاقات التي أصبحت أكثر أهمية للبلاد مع ازدياد اعتمادها على النفط الخليجي ووصول عدد الجالية الهندية التي تعيش في دول الخليج إلى أرقام كبيرة. وقد وقّعت الهند والإمارات مؤخراً اتفاقية تجارية مثمرة للغاية تسمى CEPA، وسيساعد الممرّ "الهندي-الشرق أوسطي" في تعزيز هذه التجارة الثنائية.

تبنِّي الممر "الهندي-الشرق أوسطي" لا يعني أن الهند ودول الخليج تعطي الأولوية لهذه المبادرة على حساب المبادرات الأخرى. في الواقع هم يعملون بنشاط مع روسيا لتقدم ممرّ النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، وفي حالة الدول الخليجية يتم أيضاً متابعة علاقات تجارية واقتصادية أقرب مع الصين. في الواقع ازدادت العلاقات التجارية بين روسيا والهند، وروسيا ودول الخليج بشكل كبير منذ أوائل عام 2022. وقد وصل أول قطار شحن مباشر بين روسيا والمملكة العربية السعودية إلى جدة عَبْر الممر "الشمالي-الجنوبي" في الشهر الماضي.

الأساس الآخر للممرّ الجديد هو سعي الهند لإيجاد طرق جديدة للوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي. فقد كانت التجارة الثنائية آخِذة في النمو؛ ففي السنة المالية الهندية 2022/23، قامت البلاد بتصدير ما قيمته 70 مليار يورو إلى الاتحاد الأوروبي. وتُجري نيودلهي وبروكسل أيضاً محادثات بشأن التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي منخرط أيضاً بشكل عميق في منطقة الخليج، حيث ازداد التبادُل التجاري بين المنطقتين إلى ما يقرب من 186 مليار دولار أمريكي في عام 2022. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، أصبح الدفع نحو تعزيز العلاقات التجارية مع الهند ودول الخليج أكثر أهمية بعد اندلاع النزاع في أوكرانيا، عندما توقفت طرق التجارة عَبْر روسيا، وتوسع ممرّ الشرق الأوسط.

تتَّجه علاقات الهند مع مجلس التعاون الخليجي (GCC) أيضاً إلى التحسُّن. على سبيل المثال زاد التبادل التجاري الثنائي إلى 154.73 مليار دولار أمريكي في السنة المالية 2021-2022 حيث كان 87.4 مليار دولار في السنة المالية 2021. وقد شهدت صادرات الهند إلى مجلس التعاوُن الخليجي زيادة بنسبة 58.26% لتصل إلى حوالَيْ 44 مليار دولار في السنة المالية 2022، مقابل 27.8 مليار دولار في السنة المالية 2021. وبشكل أكثر تحديداً، بلغ التبادل التجاري الثنائي بين الهند والإمارات العربية المتحدة 84.5 مليار دولار في الفترة من نيسان/ إبريل 2022 حتى آذار/ مارس 2023. وقد توصل البلدان أيضاً إلى اتفاق لتسوية التجارة بالروبية والدرهم، بينما يجري مجلس التعاون الخليجي والهند محادثات أيضاً لتوقيع اتفاقية تجارة حرة.

وفقًا لذلك تُعزّز العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي، والهند من الدفع نحو بناء ممرّ نقل جديد. إذا تم التوقيع على اتفاقيات تجارة حرة بين الهند، والاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي، فسيتم إقامة رابط اقتصادي وتجاري مستمر من جنوب آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك، سيواجه الممر "الهندي-الشرق أوسطي" نصيبه من التحديات، حيث لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يجب إنجازه. على سبيل المثال لا يزال غير واضح ما هو الطلب الفعلي على طول الممرّ المقترح. ستحتاج أيضاً مسائل تتعلق باللوائح والقوانين المتنوعة، والضرائب، وإجراءات الجمارك إلى معالجة وتنسيق. الممرّ أيضاً متعدِّد الوسائط حيث يتألف من قطاعات برية وبحرية، وهي أكثر صعوبة في الدعم مقارنةً بالطرق البرية أو البحرية حصراً. كما لن يتم التخلي عن الطريق عَبْر قناة السويس تماماً، وستظل القناة ممرّاً منافساً.

تنجح الممرات التجارية الجديدة عندما تكون البِنْية التحتية الأساسية موجودة بالفعل. في حالة الممرّ الهندي الشرق أوسطي نرى أن السكك الحديدية في اليونان (أقرب موانئ الاتحاد الأوروبي إلى الممر الهندي الشرق أوسطي) ضعيفة التطوُّر بسبب الجغرافيا الجبلية ونقص الموارد المالية. وفي منطقة الخليج، ستحتاج المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى بناء شبكة سكك حديدية عَبْر الصحارى، مما سيؤدي إلى زيادة تكاليف المشروع بشكل كبير. ولم توضح الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي بعدُ كيف سيتم تمويل ذلك.

كما أن الوضع الجيوسياسي على الأرض هشّ بما يكفي لتعقيد تقدُّم هذا المشروع، وسوف تضغط الصين وروسيا وإيران ضدّ مشاريع البِنْية التحتية التي من شأنها أن تقوض موقفهما. كما أنه لا يوجد تأكيد يفيد  بأن هناك إمكانية للتوصل إلى تقارُب قابل للتطبيق بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، في حين أن العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج ليست دائماً خالية من التوترات.

باختصار، على الرغم من أن مفهوم الممرّ الهندي الشرق أوسطي يبدو جذاباً، فلا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به لإنجازه حتى اكتماله، وهي النتيجة التي خلفت بعض الشكوك مع الإعلانات السابقة المتعلقة ببرنامج "إعادة بناء عالم أفضل" في الولايات المتحدة ومخططات "البوابة الذهبية" للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بقدرتهم على جعل اقتراح الممرّ الهندي الشرق أوسطي واقعاً عملياً.

ترجمة: عبد الحميد فحام

المصدر: (موقع Skill Road Briefing)