كيف تؤثر حرب "إسرائيل-حماس" على موازين القوى العالمية لصالح روسيا والصين؟
2023-10-181301 مشاهدة
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال على صفحاتها مادة تحت عنوان "كيف تؤثر حرب إسرائيل-حماس على ميزان القوى العالمي لصالح روسيا والصين؟" تحدث خلالها الكاتب "ياروسلاف تروفيموف" عن إمكانية استفادة المنافسين العالميين للولايات المتحدة الأمريكية من الحرب في قطاع غزة, وعن إمكانية استعادة واشنطن لدورها المحوري في المنطقة وسط أزمات متصاعدة متعددة ليس أقلها أزمة الطاقة والتطبيع العربي الإسرائيلي، وما يتعلق بذلك من مشاريع ومبادرات منافسة تهدف تحقيق أكبر عدد من النقاط للتقدُّم على الأطراف الأخرى.
حرب إسرائيل وحماس ليست مجرد مخاطرة بنشوب حرب إقليمية، بل إنها تؤثر أيضاً على ميزان القوى العالمي، في المناطق التي تنتشر فيها الموارد الأمريكية والأوروبية، في حين أنها تُسهم في تخفيف الضغوط على روسيا وتوفر فرصاً جديدة للصين.
إن تأثير التوتُّرات طويلة المدى في الشرق الأوسط صعب التنبؤ به؛ إذ يعتمد الأمر -أولاً وقبل كل شيء- على ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في النهاية في هدفها المعلَن، وهو القضاء على حماس كقوة عسكرية وسياسية رئيسية في غزة. مسألة أخرى حاسمة هي ما إذا كانت العلاقات الدبلوماسية لإسرائيل في المنطقة والمكانة العالمية لداعميها الغربيين قادرة على الصمود أمام الزيادة في أعداد الضحايا المدنيين في غزة وأهوال المعارك داخل المدن المحتمَل نشوبها في هذه المنطقة المكتظة بالسكان.
ولكن حالياً، تبيَّن أن الحرب التي أطلقتها حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من خلال هجوم ساحق على بلدات وقرى إسرائيلية أسفرت عن مقتل حوالَيْ 1400 شخص، هي منفعة لأبرز منافسي أمريكا جيوسياسياً، فلطالما سعت الصين وروسيا وإيران إلى تقويض النسق الدولي الذي تدعمه الولايات المتحدة، وهم الآن يستغلون انشغال أمريكا.
وقد قال رئيس الوزراء الفنلندي السابق ألكسندر ستوب، الذي يترشح حالياً لرئاسة فنلندا: "ما نراه الآن هو جزء من نظام عالمي متغير ومتحرك". وأضاف: "عندما تترك الولايات المتحدة فراغاً، سيكون هناك مَن يملأ ذلك الفراغ".
بالتأكيد، عادت الولايات المتحدة بالفعل إلى الشرق الأوسط، مُظهِرةً دورها كشريك لا يمكن الاستغناء عنه لإسرائيل والدول العربية الرئيسية من خلال الدبلوماسية المكثفة ونشر القوات العسكرية، وهو التزام يحظى بدعم مختلف الأطراف ويُبعِد بعض المشاعر المتسمة بالعزلة والإحباط التي كانت تكتسب زخماً في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، مع تركيز واشنطن على الشرق الأوسط، تُعتبر روسيا على الأرجح أكبر الدول المستفيدة من الاضطراب المتزايد. تشير موسكو إلى العدد المتزايد من الفلسطينيين الذين قُتلوا - حوالَيْ 2750 حسب آخر إحصاء- وتدين ما تسميه نفاق الحكومات الغربية، التي استنكرت بشدة مذابح روسيا للمدنيين في أوكرانيا، ولكنها قدمت فقط انتقادات خفيفة، وبعض الحكومات لم تَقُلْ شيئاً، حول ما تفعله إسرائيل في غزة.
قارن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قتلت قواته، وفقاً للسلطات الأوكرانية، عشرات الآلاف من المدنيين عندما حاصروا مدينة ماريوبول الأوكرانية لعدة شهور في العام الماضي، قارن بين حصار إسرائيل لغزة مع حصار مدينته سانت بطرسبرغ، التي كانت تُسمَّى حينها لينينغراد، خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا، في جوهره، يساوي بين الإسرائيليين والنازيين. هذه اللغة التي تُعَدّ تحوُّلاً حادّاً من العلاقة الودية التي كان بين بوتين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في السابق، هي جزء من الجهد الدبلوماسي لروسيا لتقديم البلاد كزعيمة للحركة العالمية ضد "الاستعمار الجديد" للغرب، حتى وهي تسعى إلى حرب استعمارية للغزو في أوكرانيا.
قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبرغيس: "إن أي صراع يشتت بعض الاهتمام بأوكرانيا يعمل بشكل كبير لصالح روسيا". وأضاف: "قد لا تكون روسيا قد بدأت الصراع، ولكن لديها مصلحة كبيرة في تمديد النزاع في إسرائيل لأطول فترة ممكنة، سيكون هذا انتصاراً للروس من الناحية التكتيكية، في أوكرانيا، وإستراتيجياً، من خلال تعزيز روايتهم ضدّ العالم الغربي".
لقد أصبحت الصين أيضاً منشغلة ومتابِعة للقضية الفلسطينية بطريقة لم تفعلها منذ عقود، فالعلاقات الودية التي كانت بينها وبين إسرائيل أصبحت مُتشظِّية، على الرغم من التأكيد المتكرر من قِبل بكين على الحاجة إلى مكافحة الإرهاب عندما قمعت الأويغور في منطقة شينجيانغ، فإن الصين تجنبت بشكل ملحوظ استخدام كلمة "الإرهاب" عندما وصفت هجوم حماس، مما أثار استياء إسرائيل، على الرغم من أن هناك أربعة مواطنين صينيين قُتلوا على يد حماس وثلاثة آخرين تم أخذهم كرهائن، وفقاً للسلطات الإسرائيلية.
وقد قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي يوم الخميس، في أول تصريحات علنية له منذ العملية التي أطلقتها حماس: “إن جوهر الأمر هو أنه لم يتم تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني”.
أثناء استعداد بكين لمواجهة محتملة مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل تايوان، يقول مراقبو الصين: إن الأخيرة تستفيد من تحويل انتباه واشنطن مرة أخرى بسبب المشاكل في الشرق الأوسط.
قال أنطوان بونداز، الخبير في الشأن الصيني في مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية في باريس: "ما يهم الصين هو مصالحها فقط وأهم شيء بالنسبة لبكين هو العلاقة مع الولايات المتحدة، والطريقة التي يمكن للصين من خلالها أن تُضعف الولايات المتحدة وصورة الولايات المتحدة" وأضاف: "سيحاولون تصوير الولايات المتحدة كعامل مسبب لعدم الاستقرار والصين كعامل مساعد للسلام، فهدف الصين هو تقديم نفسها للدول النامية كبديل أكثر جاذبية".
الحرب التي أطلقتها حماس تُوجِّه أيضاً ضربة للمنافس الرئيسي للصين في آسيا، وهو الهند، التي أصبحت أقرب بكثير إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة، ففي شهر أيلول/ سبتمبر، أعلنت الهند والولايات المتحدة عن خطط لممر عبور يربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا يمر عَبْر الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل، وسيصبح منافساً لمشروع الصين للحزام والطريق، ولكن تم إلغاء المحادثات حول تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية - وهو عنصر رئيسي في الخطة - بسبب حرب غزة، ومستقبل ذلك التطبيع الآن غير مؤكَّد.
قال أشوك مالك، مدير مجموعة آسيا (شركة استشارات تجارية) في الهند وهو مستشار سياسي سابق لوزارة الخارجية الهندية: "استثمرت الهند الكثير في الشرق الأوسط بشكل عامّ، وخاصة مع إسرائيل والدول العربية الرئيسية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية". وأضاف: "تطبيع العلاقات بين الدول العربية التقدُّمية التي تسعى إلى استخدام الفرص الاقتصادية والتكنولوجية للتحديث وإسرائيل، كجزء من تطبيع أوسع للشرق الأوسط، هو بالتأكيد أمر تشجعه الهند من أجل فرص الأعمال، وبنية سياسية أوسع".
يأتي تصاعُد الحرب أيضاً وسط أزمة طاقة متفاقمة، مما قد يعرقل البدائل الشرق أوسطية للنفط والغاز الروسي.
كما يحمل الدمار في الشرق الأوسط خطر تجدُّد العنف من قِبل الجماعات المتطرفة داخلياً، كما حدث خلال الحملة ضدّ داعش في الفترة بين عامَيْ 2014-2017. وقد شهدت الشوارع الرئيسية لعواصم أوروبية كبيرة بالفعل تظاهُرات مؤيدة للفلسطينيين خلال نهاية الأسبوع، حيث هتف بعض المتظاهرين داعمين لهدف حماس، وهتفوا بالقضاء على إسرائيل.
قال توماس غومارت، مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: "عندما يحدث أمر بهذه القوة في قطاع غزة أو إسرائيل، فإن له عواقب في أوروبا، ما نراه الآن هو التداخل والتشابُك بين مسارح مختلفة. ما الذي سيكون على المسرح الرئيسي لأوروبا في السنوات القادمة؟ هل سيكون الشرق الأوسط؟ هل ستكون أوكرانيا؟ القوقاز؟ القضايا المتعلقة بإيران؟ تسارُع الأزمات مذهل، وبالنسبة لأوروبا، يعني ذلك الحاجة إلى إجراء تعديلات صارمة".
بالتأكيد، تعتمد روسيا على تلاشي اهتمام الغرب بأوكرانيا، حيث أطلقت القوات الروسية محاولة حتى الآن غير ناجحة للاستيلاء على مدينة أفدييفكا بعد هجوم حماس. إذا امتدت الحرب في الشرق الأوسط لتشمل لبنان ومن ثَمّ ربما إيران والولايات المتحدة مباشرة، فقد تصبح الموارد المتناقصة مسبقاً من المساعدات العسكرية المخصصة لأوكرانيا أكثر ندرة، وهو خطر أقرت به كييف.
قال رئيس استخبارات الجيش الأوكراني HUR، اللواء كيريلو بودانوف، لصحيفة "أوكراينسكا برافدا": "إذا كانت النزاعات محدودة زمنياً، مسألة أسابيع، ففي المبدأ ليس لدينا ما نقلق منه، ولكن إذا استمر الوضع، فمن المفهوم تماماً أنه سيكون هناك مشاكل؛ نظراً لأنه ليس أوكرانيا وحدها مَن تحتاج الدعم بالسلاح والذخيرة".
حتى الآن، فإن القليل من المساعدات العسكرية التي أرسلتها الولايات المتحدة بسرعة إلى إسرائيل هو من النوع الذي تحتاجه أوكرانيا. كان أكثر الطلبات العاجلة من إسرائيل هو لمعترضات نظام القبة الحديدية المضادة للصواريخ، والذي لا تستخدمه أوكرانيا، في حين أن الحاجة الرئيسية لأوكرانيا هي الذخيرة المدفعية بقُطر 155 مم. عموماً تعتمد إسرائيل بشكل كبير على قواتها الجوية، بينما تلعب القوة الجوية دوراً محدوداً في الحرب في أوكرانيا. خلال التوغل الإسرائيلي في غزة الذي استمر 50 يوماً في عام 2014، أطلق الجيش الإسرائيلي فقط 19,000 قذيفة متفجرة بقُطر 155 مم، وهو مقدار تستهلكه أوكرانيا في أسبوع واحد فقط.
قال فرانز-ستيفان غادي، الرئيس التنفيذي لشركة غادي للاستشارات العسكرية، ومقرها في فيينا: "القوة الدفاعية الإسرائيلية هي بالفعل جيش بأسلوب غربي، مع قوة نيران قائمة على القوة الجوية، والتي يمكن التعامل معها بسهولة أكبر. في الوقت نفسه تبقى القوات العسكرية الأوكرانية قوة موروثة من عهد الاتحاد السوفيتي، حيث تكون الغالبية العظمى من القوة النارية قائمة على الأرض، مما يجعل الاستمرار في دعمها أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة".
أكبر خطر يواجه أوكرانيا في الأسابيع الأخيرة هو تردُّد بعض الجمهوريين في مجلس النواب بشأن تفويض إعطاء مساعدات إضافية من الولايات المتحدة، قد تساهم الأزمة في الشرق الأوسط في إزالة هذه العقبة حيث تسعى إدارة بايدن لدمج المساعدات العسكرية لإسرائيل مع المساعدات المقدمة لأوكرانيا.
قال إيفو دالدر، الرئيس التنفيذي لمجلس شيكاغو للشؤون العالمية وسابقاً سفير الولايات المتحدة لحلف شمال الأطلسي: "من الأرجح الآن أن نحصل على حزمة تمويل كبيرة تشمل إسرائيل، وهذا يعني أنه إذا أردت التصويت ضد أوكرانيا، فعليك التصويت ضد إسرائيل أيضاً، ولا أحد مستعدّ للقيام بذلك".
وأضاف أن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على دعم إسرائيل وأوكرانيا، مع الحفاظ على التزاماتها تجاه تايوان. قال: "نستطيع أن نقوم بعدة مهمات في نفس الوقت. لدينا القدرة، ونحن القوة العالمية التي يمكنها القيام بتلك المهمات".
إن الأزمة في الشرق الأوسط تُعَدّ أيضاً تذكيراً بأهمية أمريكا بالنسبة للمنطقة وللعالم، فقد قامت الصين باستهلال دخولها السياسة الإقليمية في آذار/ مارس عندما توسّطت في اتفاق بشأن استعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. ولكن الآن، مع زيادة مخاطر حرب إقليمية، تحافظ الصين على حضور قليل، في حين أرسلت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات، ويتجوّل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، في محاولة لاحتواء الصراع.
قال غوردون فليك، الرئيس التنفيذي لمركز USAsia في جامعة غرب أستراليا: "كان الهدف الرئيسي للصين في المنطقة هو الوصول إلى أسواقها، والوصول إلى استثماراتها، إنها قوة اقتصادية، ليس لديهم بعدُ قوةٌ صُلْبةٌ في تلك المنطقة، ولذا لا يلجأ أحد إلى الصينيين لحلّ مشاكلهم".
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (وول ستريت جورنال)