القمم "الصينية ـ العربية": السياقات والمسارات
2022-12-081642 مشاهدة
تشهد العاصمة السعودية الرياض، عدداً من القمم "العربية ـ الخليجية ـ الصينية"، مع زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ التي بدأت الثلاثاء السابع من ديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث يشارك في قمة ثنائية "صينية ـ سعودية"، ثم في قمة "صينية ـ خليجية"، ثم في قمة "عربية -صينية"، وهذه القمم الثلاث يمكن فَهْمها في إطار العديد من السياقات، التي يجب الوقوف عليها، لبناء تقديرات إستراتيجية للمسارات المستقبلية للعلاقات الصينية العربية وخاصة مع المملكة العربية السعودية.
السياق الأول: تنامي العلاقات الاقتصادية الصينية العربية خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري من 36.7 مليار دولار عام 2004، مع تدشين منتدى التعاون الصيني العربي، إلى 330 ملياراً في عام 2021، كما بلغ حجم الاستثمارات الصينية في الدول العربية 213.9 مليار دولار بين 2005 و2021.
السياق الثاني: توتر العلاقات "الأميركية ـ السعودية" على خلفية العديد من الملفات التي تربط بين الدولتين، وبرز هذا التوتر خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي بايدن إلى السعودية، ومشاركته في قمة جدة للأمن والتنمية (يوليو/ تموز 2022)، وعدم نجاح الزيارة في كسر دائرة التدهور في هذه العلاقات، وصولاً إلى قرار أوبك + الخاص بخفض إنتاج النفط، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة تحدياً لها ودعماً للسياسات الروسية، في ظل تطوُّرات وتداعيات الأزمة الأوكرانية.
السياق الثالث: دلالات التوقيت، والذي يرتبط بالعديد من التحولات المهمة في المنطقة والعالم، من بينها: الأزمة الأوكرانية، واجتماعات قمة شنغهاي برعاية "صينية ـ روسية"، ودعوة الصين للسعودية وعدد من الدول العربية للمشاركة في تكتل "بريكس" الاقتصادي، وإعادة انتشار القوات الأميركية في المنطقة، وسحب الولايات المتحدة لجزء من قواتها في دول الخليج، وكذلك إعلان الولايات المتحدة عن إستراتيجيتها للأمن القومي في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وتصنيفها للصين باعتبارها أكبر تهديد يواجه هيمنة الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي.
السياق الرابع: السياسات التطبيعية التي شهدتها المنطقة العربية، بعد تسوية أزمة حصار قطر في قمة "العلا"، يناير 2021، أو توقيع عدد من الاتفاقيات بين إسرائيل وكل من البحرين والإمارات والسودان والمغرب، وكذلك خطوات تطبيع العلاقات بين تركيا وكل من السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل.
السياق الخامس: تنامي حِدّة الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة، واتجاه الولايات المتحدة إلى حشد وتكتيل حلفائها في هذه المواجهة، عَبْر سلسلة من التحالفات العسكرية والاتفاقيات الأمنية والإستراتيجية لمواجهة الصعود الصيني وتمدُّدها اقتصادياً وسياسياً.
في إطار هذه السياقات تأتي أهمية الإشارة إلى عدد من المسارات، الأول أن يكون التقارب "الصيني ـ السعودي"، تقارُباً تكتيكياً في ظل توتر العلاقات السعودية مع إدارة بايدن تحديداً، ومحاولة لإفشال سياساته الخارجية، حتى يعود الجمهوريون إلى السلطة في الولايات المتحدة، وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه في ظل إدارة ترامب، الذي حشدت له السعودية أيضاً عدداً من القمم العربية والخليجية في مايو 2017.
الثاني أن يكون هذا التقارب إستراتيجياً في ظل رغبة ولي العهد السعودي في تعزيز مكانته الشخصية ومكانة بلاده في النظامين الإقليمي والدولي، في ظل ما يراه من سياسات أميركية لخفض حضورها الأمني والعسكري في المنطقة، بما يساهم في مزيد من التمدد الإيراني في دول الجوار الجغرافي السعودي.
الثالث أن يكون هذا التقارب محاولة استكشافية للقدرات وردود الفعل الأميركية، وبالتالي يشكل خطوة إما نحو الاستمرار في التقارب أو التراجع عنه، وخاصة أن حجم العلاقات الأميركية السعودية أعمق من يكون مرتبطاً بإدارة هنا أو هناك، لأنه يشمل العديد من القطاعات، وتمتلك الولايات المتحدة الكثير من أوراق الضغط التي يمكن أن تستخدمها ليس فقط في مواجهة النظام السعودي، ولكن في مواجهة معظم النظم العربية إذا وجدت أن سياسات هذه النظم يمكن أن تُشكل تهديداً لمصالحها الإستراتيجية في الشرق الأوسط أو في العالم.