هل تقوم إسرائيل باجتياح بريّ لقطاع غزة؟
2023-10-161377 مشاهدة
مع قيام كتائب القسام بعملية "طوفان الأقصى" وتحقيقها لنتائج عسكرية غير مسبوقة، بدأت القيادة الإسرائيلية مدعومةً أمريكياً بالتحضير لعملية يكون هدفها الرئيسي ردّ الاعتبار، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، والعمل على أن تكون العملية بأهدافٍ تتجاوز حدود غزة، بحيث تُساعد العملية -على حد وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو- بتغيير خارطة الشرق الأوسط.
وتحمل العملية العسكرية أهمية كبيرة على المستوى الإسرائيلي الداخلي، حيث ستكون نتائجها محدِّدةً لمصير نتنياهو سياسياً، فهو يحتاج إلى نتائج غير اعتيادية كي يتمكن من إقناع الناخب الإسرائيلي بأنه السياسي الذي ينبغي أن يتمسكوا به، برغم ما حصل.
ويتحدث نتنياهو عن هدف كبير من خلال حديثه عن القضاء على حركة حماس بشكل تامّ، كما قامت إسرائيل بإنذار سكان قطاع غزة لإخلاء مناطق واسعة من شمال غزة، والانتقال إلى جنوبها، وعلى ما يبدو فإن الخطة الإسرائيلية تهدف إلى تفريغ شمال غزة بالكامل وبشكل دائم، ودفع نحو نصف السكان إلى جنوب القطاع، والنصف الآخر إلى رفح المصرية.
وعلى ما يبدو فإنّ الجيش الإسرائيلي سيسعى لتنفيذ هذا المخطط من خلال تطبيق السياسات التي اعتمدها نظام بشار الأسد وحلفاؤه في سورية، والتي تقوم على استخدام سياسة الأرض المحروقة من خلال سلاح الطيران، بالتوازي مع سياسة الحصار، وصولاً إلى مرحلة إجبار المدنيين والمقاتلين على الانسحاب في حال توفُّر ممرات للانسحاب، أو دَفْعهم للاستسلام.
وبطبيعة الحال فإنّ الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى تنفيذ اقتحام بري في نهاية المطاف، ولذا فإنّه حَشَد حتى الآن حول 360 ألف جندي من الاحتياط، وهو أكبر حشد للاحتياط منذ عام 1973، ما يزيد بستة أضعاف عما تم حشده في حرب عام 2006!
ورغم اختلال موازين القوى العددية والتقنية لصالح إسرائيل مقارنةً مع الفصائل الفلسطينية، إلا أن إسرائيل تواجه عدداً من التحديات التي تجعلها تؤخّر أو تحدّ من نطاق العملية البرية المرتقبة، وأبرزها:
- امتلاك المدافعين للأفضلية العسكرية عموماً، وفي الحالة الفلسطينية فإنّ الفصائل الفلسطينية تملك تاريخياً خبرة أعلى بكثير في العمليات الدفاعية مقارنة بالهجومية، ولكن هذا الأفضلية تشترط تنفيذ العملية وفقاً للأنماط الإسرائيلية السابقة، وليس وفقاً للنمط الذي تم تطبيقه في سورية، والذي يتصف بالعنف المطلق بما يُنهك المدافعين حتى قبل بداية المعركة.
- امتلاك المدافعين في هذه المعركة وللأول مرة في تاريخ الصراع "الفلسطيني-الإسرائيلي" لعدد كبير من الرهائن، ورغم أن التوجه الإسرائيلي في اعتماد القصف العشوائي يُشير إلى قرار بعدم أخذ الرهائن بعين الاعتبار تماماً، إلا أن مقتلهم جميعاً سيؤدي إلى آثار سياسية كبيرة في إسرائيل، ولذا فإنّه من المتوقع أن تُعطي إسرائيل فرصة للمساعي الدبلوماسية التي تجري الآن من أجل محاولة الإفراج عن أي عدد ممكن من الرهائن.
- يملك المدافعون في هذه المعركة دفعة معنوية كبيرة بناء على ما تم تحقيقه من إنجازات في بداية المعركة، إلا أن هذه الروح المعنوية ستبدأ بالتراجع في حال إدراك المقاتلين وبيئتهم الحاضنة أنه لا جبهات أخرى ستُفتح لمؤازرتهم، وأنهم لا يملكون من "المفاجآت" العسكرية أكثر مما قدّموه، بالتوازي مع الارتفاع الحادّ في الضحايا والخسائر.
- الضغط الدولي والإقليمي، وهو ضغط مدفوع في الغالب برغبة إقليمية بالحدّ من الآثار التي يمكن أن يُرتبها الصراع على دول الجوار أولاً، سواء من حيث تدفُّق اللاجئين أو من حيث الأوضاع الداخلية في هذه الدول، وبالتوازي فإن معظم دول الإقليم والغرب ترغب بإضعاف حركة حماس وإنهاء سيطرتها على قطاع غزة، وفي الغالب فإنّ هذه الدول تدفع باتجاه الاستفادة من الوضع الحالي من أجل تغيير الوضع السياسي والعسكري في غزة، دون إجراء تغيير ديموغرافي فيها.
بناءً على ذلك، ليس من المستبعَد أن تُحجم إسرائيل عن الاجتياح البري الكامل، ولكنها قد تلجأ إلى الاجتياح الجزئي، مع توسيع سياسة الأرض المحروقة، وتوسيع سياسات الحصار والضغط الذي يؤدي إلى إنهاك المقاتلين وحاضنتهم، ودفع المنافسين لهم على الأرض للتحرك من أجل تغيير الأوضاع القائمة في القطاع منذ عام 2007.
ويبقى هناك سيناريو آخر يتمثل في التراجع عن الاجتياح البري، بشكليه الجزئي أو الكلي، إذا ما تبين أن الاجتياح لن يُحقق النتائج المَرْجوّة، أو أن المخاطر سوف تكون مرتفعة بشكل كبير، وفي هذا السيناريو فإنّ حماس ستكون الرابح الأكبر؛ لأنها ستثبّت حالة قيادتها للمشهد الفلسطيني، كما أن توقُّف المعركة سيرفع العبء القائم على حلفاء حماس في المنطقة، وخاصة حزب الله، والذي اختار مخالفة كل أدبياته السابقة، وفضّل تقديم الجيش اللبناني ليقوم بمهمة ضبط الحدود، رغم أن "مواجهة إسرائيل" هي المبرِّر الوجوديّ لِمَا يُسميه الحزب "سلاح المقاومة".